الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص330
به من الأحكام ، فإذا سرق المعاهد في دار الإسلام مالاً فإن كان من معاهد لم يلزمه أن يأخذه بغرم ولا قطع ، لكن يقال لهم : دار الإسلام توجب التناصف وتمنع التغالب فإن تناصفتم وإلا نبذنا إليكم عهدكم ، وإن سرق من مسلم أو ذمي وجب أن يؤخذ بغرم ما سرق وفي وجوب قطعه قولان : أحدهما : وهو المنصوص عليه ها هنا وفي كتاب ‘ الأم ) ونقله الحارث بن سريج النقال : أنه لا يقطع ؛ لأنه من حقوق الله تعالى وأشبه حد الزنا .
والقول الثاني : يقطع ؛ لأنه لما لزمه القصاص حفظاً للنفوس ولزمه حد القذف حفظاً للأعراض لزمه قطع السرقة حفظاً للأموال لقول النبي ( ص ) : ‘ ألا إن دماءكم وأموالكم وأعرضكم حرام عليكم ) فجمع بين الدماء والأموال والأعراض في التحريم فوجب أن يستوي جميعها في الاستيفاء فصار تحرير ما ذكرناه من قطع السرقة أن المسلم إذا سرق من مسلم أو معاهد غرم ، وقطع والذمي إذا سرق من مسلم أو معاهد أغرم وقطع ، وإذا سرق من ذمي غرم ، وفي قطعه قولان ، والمعاهد إذا سرق من معاهد لم يغرم ولم يقطع ، وإذا سرق من مسلم أو ذمي غرم وفي قطعة قولان :
وقال أبو حنيفة : إذا قطع في مال لم يقطع فيه ثانية إلا أن يتغير عن حاله كالغزل إذا نسج ، والطعام إذا طحن ، احتجاجاً بأن القطع يتعلق بعين وفعل ، فلما كان الفعل الواحد في عينين يوجب قطعاً واحداً وجب أن يكون الفعلان في عين واحدة يوجب قطعاً واحداً ، ولأن قطع السرقة في حراسة الأموال مقابل لحد القذف في صيانة الأعراض ثم لما لم يتكرر حد القذف في الرجل الواحد وجب أن لا يتكرر قطع السرقة في المال الواحد .
وتحريره : أنه حد يقف استيفاؤه على مطالبة آدمي فوجب أن لا يتكرر في الشخص الواحد كالقذف .
ودليلنا مع عموم الكتاب والسنة : هو أنه فعل يوجب الحد فوجب أن يكون تكرره في العين الواحدة كتكرره في الأعيان المختلفة كالزنا يحد إذا تكرر في الواحد كما يحد إذا تكرر في الجماعة .
فإن قيل : محل الحد في الزنا موجود فجاز أن يتكرر ومحل القطع مفقود فلم يتكرر .
قيل : هذا تعليل يبطل في الزنا بحد القذف ؛ لأن محله موجود ولا يتكرر ، ويبطل في السرقة بالقطع في الغزل إذا نسج ، فإن محله مفقود وقطعه يتكرر .