الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص329
وقال أبو حنيفة : لا أقطعه استحساناً .
ودليلنا مع عموم الظواهر أن من ضمن ماله جاز أن يقطع سارقه قياساً على مال الذمي ، ولأن ما وجب بسرقة مال الذمي وجب سرقة مال المستأمن كالضمان .
وأما الحكم الثالث في استيفاء الحقوق منهم فينظر فإن تقدمت على أمانهم لم يلزم استيفاؤها منهم ، سواء كانت لمسلم أو ذمي ، كما لا يلزم استيفاؤها من أهل الحرب إذا أسلموا ، وإن لزمتهم بعد أمانهم لم يخل ما لزمهم من الحقوق من ثلاثة أضرب :
أحدها : أن تكون حقوق الآدميين المحضة .
والثاني : أن تكون حقوق الله تعالى المحضة .
والثالث : أن تكون من الحقوق المشتركة .
فإن كانت من حقوق الآدميين المحضة نظر مستحقها فإن كان منهم لم يلزم استيفاؤها له ، سواء كانت في مال أو بدن ، وقيل لهم إن تناصفتم وإلا نبذنا إليكم عهدكم ثم صرتم بعد بلوغ مأمنكم حرباً لما توجبه دار الإسلام من التناصف ، وإن كان مستحقها مسلماً أو ذمياً وجب أن يستوفي له حقه منهم ، سواء كان الحق في بدن كالقصاص أو في مال كالديون والغصوب ؛ لأنه لما وجب بالأمان أن نؤمنهم وجب أن نأمنهم بما يوجبه الأمان من تساوي الجهتين فيه .
وأما حقوق الله المحضة فقتل بردة وحد في زنا ، فأما القتل بالردة فيسقط عنهم ولا يستوفى منهم ؛ لأن عهدهم يعم من يقر على دينه ومن لا يقر بخلاف الذمة التي لا تستقر إلا فيمن يقر على دينه ، ويكونون بعد الردة على عهدهم إلى انقضاء المدة .
وأما حد الزنا فيسقط عنهم كالقتل بالردة ، لكن ينظر في المزني بها فإنها إحدى ثلاث : إما معاهدة ، أو ذمية ، وإما مسلمة ، فإن كانت معاهدة لم يلزم استنابة الزاني ، وقيل لهم دار الإسلام تمنع من ارتكاب الفواحش فإن كففتم عنها وإلا منعتم من المقام فيها ، وإن كان المزني بها ذمية وجب أن يستتابوا من هذا الزنا بمثلها ، ولم يكن ذلك نقضاً لأمانهم ، فإن تابوا وإلا نبذنا إليهم عهدهم ليبلغوا مأمنهم ثم يصيروا حرباً ، وإن كان المزني بها مسلمة كان الزنا نقضاً لأمانهم إن شرط ذلك في عهدهم وبلغوا مأمنهم ، وصاروا حرباً ، وإن لم يشترط ذلك عليهم في عهدهم استتيبوا منه ، فإن تابوا وإلا نبذن إليهم عهدهم حتى يبلغوا مأمنهم ثم يصيروا حرباً .
وأما الحقوق المشتركة بين حق الله تعالى وحق الآدميين فهي السرقة وهي المسألة الكتاب ، وإنما فرعنا ما قدمناه عليها لارتباط بعضه ببعض اشتمل على تقسيم ما اتصل