الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص328
قيل : الفرق بينهما أن الذمي مقر على ما خالفنا فيه من دينه فلم ينفذ حكم الإمام عليه ، والمسلم مأخوذ بحقوق الدين نفذ حكم الإمام عليه .
وأما الضرب الثالث : فهو أن يكون من الحقوق المشتركة بين حق الله تعالى وحقوق الآدميين فهو السرقة ، ولا تخلو سرقته أن تكون من مسلم أو من ذمي أو من معاهد ، فإن سرق من مسلم غرم وقطع كالمسلم ، وإن سرق من ذمي أغرم ، لأنه عن تغالب تمنع دار الإسلام منه ، وفي قطعه قولان من نفوذ أحكامنا عليهم ، وإن كان معاهداً ، فإن كان لماله أمان أغرم للمعاهد وقطع في سرقته وإن لم يكن لماله أمان أغرم لبيت المال ولم يقطع فيه .
فأما الحكم الأول في الذب عنهم فيجب على الإمام أن يمنع عنهم من كان في طاعته وتحت قدرته من المسلمين وأهل الذمة ؛ لأن الأمان يقتضيه فلا يلزمه أن يمنع عنهم من لم يكن في طاعته وتحت قدرته من أهل الحرب ؛ لأن أمانهم يوجب الكف عنهم ولا يوجب نصرتهم وأما إذا تعدى بعضهم على بعض لم يجب نصرتهم ولم يقروا على التعدي ؛ لأن دار الإسلام توجب التناصف وتمنع من التغالب والتظالم ، وقيل لهم : إن تناصفتم وإلا نبذنا إليكم عهدكم ثم صرتم بعد بلوغ مأمنكم حرباً .
وأما الحكم الثاني : وهو استيفاء الحقوق لهم ، فإن كانت مع غير المسلمين وأهل الذمة لم يلزم استيفاؤها لهم ؛ سواء كانت في نفس أو مال ، كما لا يلزم نصرتهم منهم وإن كانت مع المسلمين وأهل الذمة نظر فيها ، فإن كانت متقدمة على أمانهم لم يلزم استيفاؤها لهم لوجودها في حال لا يوجب الكف عنهم وإن حدثت بعد أمانهم فهي نوعان حقوق أبدان ، وحقوق أموال .
فأما حقوق الأبدان كالقصاص في الجنايات فيلزم استيفاؤها لهم لما يلزم من حراسة أبدانهم ، وإن كانت على مسلم استحقوا بها الدية ، وإن كانت على ذمي استحقوا بها القود .
فأما حقوق الأموال فإن لم يكن لأموالهم أمان لم يلزم استيفاؤها لهم ، واسترجعت الذمي لبيت المال ، وأقرت على المسلم إن أخذها قهراً بعد أخذ خمسها منه ؛ لأنها غنيمة وإن أخذها اختلاساً انتزعت منه لبيت المال ؛ لأنها فيء به ، وإن كان لأموالهم أمان وجب استيفاؤها لهم كما وجب استيفاء حقوقهم من أبدانهم لاشتمال أمانهم على أبدانهم وأموالهم فتستوفى من المسلم والذمي ، فإن سرقت الأموال منهم قطع سارقها مسلماً كان أو ذمياً ، لأنه لا شبهة في أموالهم بعد الأمان لمسلم ولا ذمي .