پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص322

وقال أبو حنيفة : لا أقطعه بعد الثانية ويحبس بعد التعزير حتى يتوب ، وبه قال الثوري وأحمد بن حنبل ؛ استدلالاً بقول الله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] والإضافة إلى الاثنين بلفظ الجمع تقتضي واحداً من الاثنين كما قال تعالى : ( وإن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) [ التحريم : 4 ] فكان المراد قلباً من كل واحدة .

وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه أتي بسارق مقطوع اليد والرجل فلم يقطعه وقال : إني لأستحي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها ورجلاً يمشي عليها ، وأن كل عضو لا يقطع في السرقة الثانية لم يقطع في السرقة بحال كاللسان والأنف ، ولأن في قطع اليسرى استيفاء منفعة الجنس فوجب أن لا تقطع في السرقة كالسرقة الثانية ، ولأن اليد اليسرى أقرب إلى اليمنى من الرجل اليسرى ، والسرقة الثانية اقرب إلى الأولة من الثالثة ، فلما لم يجز قطعها في الثانية مع قربها من اليمنى وقربها من السرقة الأولى كان أولى أن لا تقطع في الثالثة ؛ لأن السرقة إذا تكررت ضعفت ، وإذا تقدمت غلظت .

ودليلنا : قول الله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] فاقتضى هذا الظاهر من لفظ الجمع أن تقطع اليدين لأمرين :

أحدهما : أنه قد يعبر عن الاثنين بلفظ الجمع .

والثاني : انهما اقرب إلى الجمع من الواحد ، وليس في قوله : ( فقد صغت قلوبكما ) [ التحريم : 4 ] دليل ؛ لأنه ليس في الجسد إلا قلب واحد ، فعلمنا أنه ترك الظاهر ، وهذا انفصال ، ويدل عليه حديث أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال : ‘ إذا سرق السارق فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله ، فإن عاد فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله ) وهذا نص .

وروى هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : أتي رسول الله ( ص ) بسارق فقطع يده ، ثم أتي به وقد سرق فقطع رجله ، ثم أتى به وقد سرق فقطع يده ، ثم أتي به وقد سرق فقطع رجله ، ثم أتي به وقد سرق فأمر به فقتل ، فإن قيل : ففيه القتل في الخامسة وهو منسوخ فلم يصح الاجتماع به قيل : نسخ بعض الحديث لا يقتضي نسخ باقيه .

وروى أيوب عن نافع أن أقطع اليد والرجل نزل على أبي بكر رضي الله عنه فسرق فقطع يده .