الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص314
ويستبقى ، ولأن الكفن لا مالك له وما لا مالك له لا قطع فيه لعدم المطالب به كمال بيت المال ، ولأنه لو كفن بأكثر من العادة لم يقطع في الزيادة كذلك فيما جرت به العادة ، ولأن قبر الميت يشتمل على كفنه وطيبه ثم لم يقطع في طيبه فكذلك في كفنه .
ودليلنا : قول الله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] فوجب أن يكون على عمومه في النباش وغيره .
فإن قيل : النباش ليس بسارق لاختصاصه باسم النباش دون السارق .
قيل : عنه جوابان :
أحدهما : أن السارق هو المستسر بأخذ الشيء من حرزه كما قال تعالى : ( إلا من استرق السمع ) [ الحجر : 18 ] وهذا موجود في النباش فوجب أن يكون سارقاً .
والثاني : ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سارق موتانا كسارق أحيائنا ، وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال : يقطع سارق أحيائنا وسارق موتانا ، فسمياه سارقا وقولهما حجة في اللغة ، وقال تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً ) [ المرسلات : 25 ] أي نجمعهم أحياء على ظهرها ونضمهم أمواتاً في بطنها ، فجعل بطنها حرزاً للميت كما جعل ظهرها حرزاً للحي فاستويا في الحكم .
وروى البراء بن عازب عن النبي ( ص ) أنه أمر بقطع المختفي ، قال الأصمعي ،
وأهل الحجاز : يسمون النباش المختفي وفيه تأويلان :
أحدهما : لاختفائه بأخذ الكفن .
والثاني : لإظهاره الميت في أخذ كفنه ، وقد يسمى المظهر المختفي ، وهو من أسماء الأضداد ، وروي أن عبد الله بن الزبير قطع نباشاً بعرفات وهو مجمع الحجيج ، ولا يخفي ما يجري فيه على علماء العصر فما أنكره منهم منكر .
ومن القياس : أنها عورة يجب سترها فجاز أن يجب القطع في سرقة ما سترها كالحي .
ولأنه حكم يتعلق بسرقة مال الحي فجاز أن يتعلق بسرقة كفن الميت كالضمان .
ولأن قطع السرقة موضوع لحفظ ما وجب استبقاؤه على أربابه حتى ينزجر الناس عن أخذه فكان كفن الميت بالقطع أحق لأمرين :
أحدهما : أنه لا يقدر على حفظه على نفسه .