الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص305
أحدها : أن المقصود من الكتب قراءة ما فيها ، والورق والجلد تبع للمقصود وليس ما فيها من المكتوب مالا فسقط القطع فيه وفي تبعه من الورق والجلد ، وإن كان مالا ؛ لأن التبع ملحق بالمتبوع .
والثاني : وهو خاص في المصحف ليكون غيره من الكتب ملحقاً به : أن المصحف مشترك يختص به صاحبه لما عليه من إعارته لمن التمس أن يقرأ فيه وأن يتعلم منه القرآن لقول النبي ( ص ) ‘ تعلموا القرآن وعلموه الناس ) وهو من أقوى الشبه في سقوط القطع فيه كمال بيت المال .
والثالث : أن بيعه مختلف فيه ؛ لأنه ابن عمر يكره بيع المصاحف ، وكذلك شريح القاضي وما اختلف في بيعه لم يقطع في سرقته كالكلب [ والخمر ] والخنزير مع الذمي .
ودليلنا مع عموم الكتاب والسنة أنه نوع مال فجاز القطع فيه كسائر الأموال ، فإن منعوا أن يكون مالاً احتج عليهم بجواز بيعه وإباحة ثمنه ، وضمانه باليد ، وغرم قيمته بالإتلاف ، واختصاصه بسوق يباع فيها كما يختص كل نوع من الأموال بسوق ، ولأنه لما قطع في ورق المصحف إذا لم يكن مكتوباً كان القطع فيه بعد كتابته أولى ؛ لأن ثمنه أزيد والرغبة فيه أكثر فلا يجوز أن يقطع فيه قبل الزيادة ، ويسقط القطع مع الزيادة ، وهذا ألزم لأبي حنيفة ؛ لأنه لا يقطع في الخشب والعاج قبل العمل فيه ، ويقطع فيه بعد عمله وإحداث صنعة فيه ، ولأن القطع يجب في الأموال المرغوب فيها ليزجر عن سرقتها فتحفظ على مالكها ، وقد تكون الرغبة في المصاحف والكتب أكثر فكانت بوجوب القطع أحق ، فأما قوله : إن المقصود منها القراءة التي لا قطع فيها ، فالجواب عنه أن القراءة هي المنفعة كما أن منفعة الثياب لباسها ، ومنفعة الدواب ركوبها ، والقطع يجب في الأعيان دون المنافع وأما قوله : إنه مشترك تلزم إعارته فدعوى غير مسلمة ؛ لأنه ملك خاص لا تلزم إعارته ولا تعليم القرآن منه إلا قدر ما يلزم الصلاة من الفاتحة عندنا وآية من جميع القرآن عندهم ، لا يتعين الفرض فيها على أحد بعينه ، ولا من مصحف بعينه ؛ لأن الفرض متعين على المتعلم وليس بمتعين على