الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص302
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا ملك السارق السرقة بعد إخراجها من حرزها ووجوب القطع فيها إما بهبة أو ابتياع أو ميراث لم يسقط عنه القطع استدلالا بأنه لما منع ملكه للسرقة عند إخراجها من وجوب القطع وجب أن يمنع حدوث ملكه بعد إخراجها من استيفاء القطع لئلا يصير مقطوعاً بملكه ، ولا يجوز أن يقطع أحد في ملكه ، ولأن ما طرأ عند استيفاء القطع بمثابة وجوده عند وجوب القطع كالجحود ، وفسق الشهود ، ولأن مطالبته الخصم شرط في وجوب القطع وقد زالت مطالبته بزوال ملكه فسقط شرط الوجوب .
ودليلنا مع عموم الكتاب والسنة ما رواه الشافعي عن مالك عن الزهري عن صفوان بن عبد الله أن صفوان بن أمية قيل له : إنه من لم يهاجر هلك ، فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه ، فجاء سارق فأخذ رداءه ، فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى النبي ( ص ) فأمر به أن تقطع يده فقال صفوان : يا رسول الله إني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال النبي ( ص ) : ‘ فهلا قبل أن تأتيني به ) فلم يسقط القطع عنه مع الصدقة بها عليه ، فدل على أن ملك المسروق لا يمنع من وجوب القطع ، فإن قيل : إنما قطعه لأن الصدقة لم تتم إلا بالقبض بعد القبول .
قيل : لو كان لهذا لبينه النبي ( ص ) ولما قال : ‘ هلا قبل أن تأتيني به ) .
فإن قيل فهذا يدل على أنه لو ملكها قبل أن يأتيه به سقط عنه القطع ولا تقولون به فصار دليلا عليكم .
قيل : معناه هلا سترت عليه قبل أن تأتيني به ولم تخبرني به ، فإن ما لم يعلم به لم يجب عليه استيفاؤه .
وقد روى ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ( ص ) ‘ تعافوا عن الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب ) .
ومن القياس أن ما حدث في المسروق بعد وجوب القطع فيه لم يمنع من استيفائه لنقصه أو تلفه ، ولأن الهبة توجب سقوط المطالبة بالمسروق فوجب أن لا يمنع من استيفاء ما وجب فيه من القطع قياساً على رده والإبراء منه ، ولأنه قطع وجب