پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص282

خفت أحرازه ، وما كثرت قيمته من الجواهر والفضة والذهب غلظت أحرازه وما توسطت قيمته من الحنطة والزيت توسطت أحرازه .

وقال أبو حنيفة : الإحراز لا يختلف باختلاف الأموال ، وكان كان حرزاً لأقلها كان حرزاً لأكثرها حتى جعل دكان البقلي حرزاً للجواهر ، وهذا خطأ من وجهين :

أحدهما : اختلاف العرف فيه ، فإن الجواهر في العرف محرزة في أخص البيوت بأوثق الأبواب وأكثر الأغلاق ، والحطب والحشيش يحرز في الحظائر المرسلة ، وشرائح الخشب والبقل يحرز في دكاكين الأسواق بشرائح القصب ، فوجب أن يكون اختلاف العرف فيه معتبراً .

والثاني : أن التفريط متوجه إلى من أحرز أنفس الأموال وأكثرها في أقلها حرزاً وأحقرها وتوجه التفريط إليه يمنع من استكمال الحرز ، والله أعلم .

( فصل )

فإذا ثبت اعتبار العرف فيه فالاحتراز تختلف من خمسة أوجه :

أحدها : اختلاف جنس المال ونفاسته على ما بينا .

والثاني : باختلاف البلدان ، فإن كان البلد واسع الأقطار كثير الدعار غلظت أحرازه ، وإن كان صغيراً قليل المار لا يختلط بأهله غيرهم خفت أحرازه .

والثالث : باختلاف الزمن فإن كان زمان سلم ودعة خفت أحرازه ، وإن كان زمان فتنة وخوف غلظت أحرازه .

والرابع : باختلاف السلطان ، فإن كان عادلاً غليظاً على أهل الفساد خفت أحرازه ، وإن كان جائراً مهملاً لأهل الفساد غلظت أحرازه .

والخامس : باختلاف الليل والنهار ، فيكون الإحراز في الليل أغلظ لاختصاصه بأهل العبث والفساد ، فلا يمتنع فيه بكثرة الأغلاق وغلق الأبواب حتى يكون لها حارس يحرسها ، وهي بالنهار أخف لانتشار أهل الخير فيه ، ومراعاة بعضهم بعضاً ، فلا تفتقر إلى حراس ، وإذا جلس أرباب الأموال في دكاكينهم وأمتعتهم بارزة بين أيديهم كان ذلك حرزاً لها وإن لم يكن في الليل حرزاً .

وجعله ذلك اعتبار شرطين العرف ، وعدم التفريط .

وقد فصل الشافعي الأحراز باختلاف الأحوال على حسب زمانه وعرف أهله ، وقد يتغير ذلك باختلاف الزمان وتغير العادات ، فيصير ما جعله حرزاً ليس بحرز ، وما لم يجعله حرزاً يصير حرزاً ؛ لأن الزمان لا يبقى على حال ، وربما انتقل من صلاح إلى فساد ، ومن فساد إلى صلاح ؛ فلذلك تتغير أحوال الأحراز لكثرتها ما يكون معتبراً مع وجود أسبابه وظهور عرفه والله أعلم .