الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص276
وقال أبو حنيفة : لا يقطع فيما كان مباح الأصل من صيد البر والبحر ، ولا في جميع الطير ، ولا في الخشب إلا في الساج والعود إلا أن يكون معمولاً أبواباً أو أبنية ولا في المعمول من الطين والحجر ، ولا في المأخوذ من المعادن كلها إلا الفضة والذهب والياقوت والفيروزج ، ولا في الحشائش كلها إلا في الصندلة ، فإن عمل من الحشيش حصراً كالأسل والسامان قطع ، وإن عمل من القصب بواري لم يقطع ؛ لأن الزيادة في عمل السامان كثيرة ، وفي عمل البواري قليلة ، واحتج فيه برواية يوسف بن روح عن الزهري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال : لا قطع في الطير وهم عمر بن عبد العزيز بقطع رجل سرق دجاجة فقال له أبو سلمة سمعت عثمان يقول : لا قطع في الطير فتركه عمر ولم يقطعه ، وليس فيه مخالف فكان إجماعاً فجعله أصلاً لجميع الصيد ، ثم احتج بعموم مذهبه بثلاثة معان :
أحدهما : أنه مباح الأصل في دار الإسلام فيسقط فيه القطع كالماء والتراب .
والثاني : أنه تافه الجنس للقدرة عليه متى أريد فسقط فيه القطع كالسرجين .
والثالث : أنه لما وجب القطع في مقدار من المال ولم يعم كل مقدار اقتضى أن يجب في جنس من المال ولا يعم جميع الأجناس .
ودليلنا مع عموم الظواهر من الكتاب والسنة أنه جنس مال متمول فوجب القطع بسرقته كسائر الأجناس ، ولأن ما وجب القطع في معموله وجب في أصله كالذهب والفضة ، ولأن المتعلق بالأموال المأخوذة بغير حق حكمان : ضمان وقطع ، فلما كان الضمان عاماً في جميع الأموال وجب أن يكون القطع عاماً في جميع الأموال .
ويتحرر من هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أنه حكم يتعلق بالمال الذي أصله غير مباح ، فوجب أن يتعلق بالمال الذي أصله مباح كالضمان .
والثاني : أنه مال يتعلق به الضمان فوجب أن يتعلق به القطع كالذي أصله غير مباح ، ولأن القطع في السرقة موضوع للزجر عنها وحفظ الأموال على أهلها فاقتضى أن