پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص255

فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلو لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون ) [ النور : 4 ] فغلظ بثلاثة أشياء : الحد ، والفسق ، والمنع من قبول الشهادة ، ولم يوجب بالقذف بغير الزنا من الكفر وسائر الفواحش حداً ؛ لأن القذف بالزنا أعر وهو بالنسل أضر ، ولأن المقذوف بالكفر يقدر على نفيه عن نفسه بإظهار الشهادتين ، ولا يقدر على نفي الزنا عن نفسه ، وجعل حده ثمانين جلدة ؛ لأن القذف بالزنا أقل من فعل الزنا فكان أقل حداً منه ، وروي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قاس عليه حد شارب الخمر فقال : لأنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذي ، وإذا هذي افترى ، وحد المفتري ثمانون ، والله أعلم .

( فصل )

[ الشروط المعتبرة في القاذف والمقذوف ]

فإذا ثبت أن حد القذف ثمانون جلدة فهو أكمل حدوده ، وكماله معتبر بشروط في المقذوف وشروط في القاذف . فأما الشروط المعتبرة في المقذوف فخمسة : البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والإسلام ، والعفة ؛ لأن الله تعالى شرط في حد القاذف إحصان المقذوف فقال : ( والذين يرمون المحصنات ) [ النور : 4 ] فاعتبر بالبلوغ لنقص الصغر ، واعتبر بالعقل لنقص الجنون ، واعتبر بالحرية لنقص الرق ، واعتبر بالإسلام لنقص الكفر ، واعتبر بالعفة لنقص الزنا ولقوله تعالى : ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) [ النور : 4 ] فدل على أنهم إذا أتوا بالشهداء لم يحدوا ولقوله تعالى : ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات ) [ النور : 23 ] إنه أراد الغافلات عن الفواحش بتركها ، وإن كان المقذوف صغيراً أو مجنوناً فلا حد على قاذفها لأمرين :

أحدهما : لنقصانهما عن كمال الإحصان .

والثاني : لأنهما لا يجب عليهما بالزنا حد ، فلم يجب لهما بالقذف حد ، وإن كان المقذوف عبداً فلا حد على قاذفه . وقال داود : يحد قاذفه لعموم الظاهر ، ولأنه يحد بالزنا فحد له القاذف بالزنا كالحر ، وهذا خطأ ؛ لأن الله تعالى شرط فيه الإحصان وهو منطلق على الحرية والإسلام ، فوجب أن يكونا شرطاً فيه ، ولأن فعل الزنا أغلظ من القذف ، فلما منعه نقص الرق من كمال حد الزنا كان أولى أن يمنع من حد قذفه بالزنا ، ولأنه لما منعه نقص الرق أن تؤخذ بنفسه نفس حر كان أولى أن يمنع أن يؤخذ بعرضه عن عوض حر .

فإن قيل : ينبغي إذا قذفه عبد مثله أن يحد لقذفه كما يقتص بقتله .

قيل : هذا لا يلزم ؛ لأن المقذوف قد عدم شرط الإحصان فسقط حد قذفه وإن ساواه القاذف ، كما لو كان غير عفيف فقذفه غير عفيف لم يحد وإن استويا في سقوط