الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص232
والاعتراض الثاني : قال : لم عرض عمر بما أسقط به الحد عن المغيرة وهو واحد وواجب به الحد على الشهود وهم ثلاثة ؟ فقيل عنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه لما تردد الأمر بين قتل وجلد كان إسقاط القتل بالجلد أولى من إسقاط الجلد بالقتل .
والثاني : أنه لما خالف الشهود ما ندبوا إليه من ستر العورات ، وخالفوا قول رسول الله ( ص ) : ‘ هلا سترته بثوبك يا هزال ) كانوا بالتغليظ أحق من غيرهم .
والثالث : أن رجم المغيرة لم يجب إلا أن تتم شهادتهم ، وجلدهم قد وجب ما لم تتم شهادتهم ، فكان إسقاط ما لم يجب أولى من إسقاط ما وجب .
الاعتراض الثالث : إن قالوا : إن الصحابة عدول ، وهذه الصفة لا تخلو من جرح بعضهم وفسقه ، لأنهم إن صدقوا في الشهادة فالمغيرة زان ، والزنا فسق ، وإن كذبوا فهم قذفة ، والقذف فسق ، قيل : هذه الصفة لا تمنع من عدالة جميعهم ، والخلاص من قدح يعود على بعضهم ، أما المغيرة وهو المشهود عليه فقد قيل : إنه نكحها سراً فلم يذكروه لعمر ؛ لأنه كان لا يرى نكاح السر ويحد فيه وكان يتبسم عند الشهادة عليه ، فقيل له في ذلك فقال : لأن أعجب مما أريد أن أفعله بعد كمال شهادتهم ، فقيل : وما تفعل قال : أقيم البينة أنها زوجتي .
وأما الشهود فلأنهم شاهدوا بظاهر ما شاهدوا فسلم جماعتهم من جرح وتفسيق ، ولذلك أجمع المسلمون على قبول أخبارهم في الدين وأثبتوا أحاديثهم عن الرسول ( ص ) وإن كان أبو بكرة إذا أتى بكتاب لم يشهد فيه وقال : إن القوم فسقوني ، وكان هذا القول منه ثقة بنفسه ، فدلت هذه القصة من عمر رضي الله عنه على وجوب الحد على الشهود إذا لم يكمل عددهم ، ويدل عليه من طريق المعنى شيئان :
أحدهما : أن الشهادة بالزنا أغلظ من لفظ القذف بالزنا ، لأنه يقول في القذف : زنيت ولا يصف الزنا ، ويقول في الشهادة : أشهد أنك زنيت ويصف الزنا ، والقذف لا يوجب حد المقذوف ، والشهادة توجب حد المشهود عليه ، ولما كانت الشهادة أغلظ من القذف من هذين الوجهين كانت بوجوب الحد إذا لم تتم أولى .
والثاني : أن سقوط الحد عنهم ذريعة إلى تسرع الناس إلى القذف إذا أرادوه أن يخرجوه مخرج الشهادة حتى لا يحدوا ، وفي حدهم صيانة الأعراض عن توقي القذف فكان أولى وأحق ، وإن قيل بالقول الثاني أنهم على عدالتهم لا يحدون فدليله قول الله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) [ النور : 4 ] ففرق بين القذفة والشهود فدل على افتراقهم في الحدود ، ولأن القذف معرة والشهادة إقامة حق ، ولذلك إذا أكثر القذفة حدوا ، ولو كثر الشهود لم يحدوا ، فاقتضى ذلك وقوع الفرق بينهم إذا قلوا كما وقع الفرق بينهم إذا كثروا ، ولأن حكم كل