الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص216
والثاني : وهو مذهب مالك أنه يعتبر في جلده السوط والعدد كغيره .
والثالث : وهو مذهب أبي حنيفة أنه يعتبر فيه السوط ولا يعتبر فيه العدد ، فيجمع مائة سوط ويضرب بها دفعة واحدة .
واستدل من جعله كغيره بعموم قول الله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) [ النور : 2 ] .
ودليلنا رواية أبي أمامة أن مقعداً أسود في جوار سعد بن معاذ زنا فأحبل فأمر رسول الله ( ص ) أن يجلد بأثكال النخل .
وروي أن رجلاً من الأنصار اشتكى حتى ضنى وعاد جلده على عظمه ، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم وقال : استفتوا لي رسول الله ( ص ) فذكروا ذلك له .
وقالوا يا رسول الله : ما رأينا أحداً من الناس به من الضر مثل ما به ما هو إلا جلد وعظم ، فأمر رسول الله ( ص ) أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة .
وهذا نص في هذا الباب ، وبمثل هذا أمر الله تعالى نبيه أيوب عليه السلام وقد حلف ليضربن زوجته مائة فقال : ( وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث ) [ ص : 44 ] .
حكى الشافعي مناظرة جرت بينه وبين من خالفه فيه فقال : قال لي بعضهم : لا أعرف الحد إلا واحداً ، وإن كان مضنوءاً من خلقته .
قلت له : أترى الحد أكبر أو الصلاة ؟ .
فقال : الصلاة قال كل فرض قد نأمره في الصلاة أن يصلي قائماً ، فإن لم يستطع فجالساً ، فإن لم يستطع فعلى جنبه .
فقال هذا اتباع سنة وموضع ضرورة قلت فكذلك الجلد اتباع سنة وموضع ضرورة قال : فقد يتلف الصحيح المحتمل للضرب ويعيش النضو الضعيف .
قلت : إنما إلينا الظاهر والأرواح بيد الله سبحانه .
وهذا دليل واضح وجواب مقنع .