الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص213
والوجه الثاني : لا يكون رجوعاً لاحتماله ، ولكن يسأل عن هربه بعد الإمساك عنه لاحتماله ؛ لأن رسول الله ( ص ) قال : ‘ غرم قاتل ماعز بعد هربه ديته ) وإذا كان كذلك فكل ما جعلناه رجوعاً صريحاً بعد الإقرار أوجبنا به ضمان النفس إن قتل بعده ، وكل ما لم نجعله رجوعاً صريحاً لم نوجب له به الضمان .
قال الماوردي : إذا كان الحد جلداً أخر مع وجود الأسباب القاتلة وهي ضربان :
أحدهما : حبل يختص بالنساء ، ومرض يعم الرجال والنساء .
فأما الحبل فهو أن تكون المحدودة حبلى حاملاً بولد فهو مانع من جلدها كما هو مانع من رجمها ، سواء كان حملها من زنا أو حلال ؛ لأن جلد الحامل مفض إلى تلفها وتلف حملها ، وكلا الأمرين محظور .
ولأن علياً قال لعمر رضوان الله عليهما وقد أمر بحد زانية حامل إنه لا سبيل لك على ما في بطنها ، فردها وقال : ‘ لولا علي لهلك عمر ) فإذا وضعت حملها وهي في نفاسها فإن أمن من تلفها فيه جلدت ، وإن خيف من تلفها فيه أمهلت .
وروى أبو جميلة عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : فجرت جارية لآل رسول الله ( ص ) . فقال لي : ‘ يا علي انطلق فأقم الحد عليها ، فأتيتها فوجدتها يسيل دمها لا ينقطع ، فعدت إلى رسول الله ( ص ) فأخبرته أني وجدت دمها يسيل لا ينقطع فقال : دعها حتى ينقطع دمها ، ثم اجلدها ، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ) .
وأما المرض فضربان :
أحدهما : ما لا يرجى زواله كالسل ، والفالج فيكون في النضو على ما سيأتي .
والثاني : أن يكون مرجو الزوال كالحمى والصداع فيؤخر المحدود فيه حتى يبرأ من مرضه ؛ لأن جلده في المرض مفض إلى تلفه ، وليس يخلو حده من ثلاثة أحوال .
إما أن يقام عليه حد الأصحاء أو حد المرضى ، أو يؤخر حتى يبرأ فلم يجز أن يقام عليه حد الأصحاء لإفضائه إلى تلفه .