الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص212
بالشهادة ولم يسقط بالرجوع ؛ لأن وجوبه ما سبقها فلم يؤثر فيه ما تعقبه ، وعلى الوجوه كلها لا يسقط أحدهما الآخر .
وقال أبو حنيفة : إن كذب الشهود حد بشهادتهم وإن صدقهم سقط عنه الحد فلم يحد بشهادتهم ولا بإقراره قال : لأن الشهادة على مقر فسقطت ، والإقرار لا يوجب الحد حتى يتكرر أربعاً .
وهذا مما يدفعه المعقول أن يجب الحد على منكر ويسقط عن مقر ، وإن بناه على أصل فهو دليل على فساد أصله .
وأما حقوق الآدميين المحضة فالقصاص وحد القذف ، فإذا وجب بالإقرار لم يسقط بالرجوع لما ذكرنا من الفرقين المتقدمين بينهما إلا أن يصدقه صاحب الحق فيسقط بالتصديق دون الرجوع .
وأما الحقوق المشتركة التي يتعلق بها حق الله وحقوق الآدميين فهي السرقة يجب فيها القطع ، وهو من حقوق الله المحضة ، وغرم المال المسروق وهو من حقوق الآدميين المحضة ، فإذا أوجب بالإقرار لم يسقط الغرم بالرجوع ؛ لأنه من حقوق الآدميين وفي سقوط القطع بالرجوع وجهان :
أحدهما : يسقط لاختصاصه بحقوق الله تعالى .
والثاني : لا يسقط بالرجوع لاقترانه بما لا يؤثر فيه الرجوع .
فأما ما يكون به راجعاً في إقراره فهو القول ، وذلك بإحدى ثلاثة ألفاظ ، إما أن يقول كذبت في إقراري ، أو يقول : لم أزن ، أو يقول : قد رجعت عن إقراري ، فكل واحد من هذه الألفاظ الثلاثة يكون رجوعاً صريحاً ، فإن قال : لا تحدوني لم يكن رجوعاً صريحاً ؛ لأنه يجوز أن يريد به العفو أو الإنظار ، ولا يجوز العفو عنه ولا الإنظار له إلا لعذر ينظر لأجله من مرض ، أو جنة أو قضاء دين فيسأل عن ذلك بعد الكف عنه ، فإذا بين عن مراده عمل عليه وحكم بموجبه .
ولو قال : لا حد علي كان أقرب إلى صريح الرجوع مع احتمال فيه فيسأل عنه ، فأما إن لم يتلفظ بالرجوع ولكن هرب من إقامة الحد عليه ، فقد اختلف أصحابنا هل يقوم هربه مقام رجوعه باللفظ الصريح على وجهين :
أحدهما : يقوم مقامه ويكون رجوعاً ؛ لأن رسول الله ( ص ) قال في ماعز حين هرب من الأحجار ‘ هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه ) .