الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص194
وروي أن أبا بكر رضي الله عنه جلد وغرب إلى فدك .
وجلد عمر وغرب إلى الشام ، وجلد عثمان وغرب إلى مصر .
وجلد علي وغرب من الكوفة إلى البصرة ، وليس لهم في الصحابة مخالف .
فإن قيل : فقد قال عمر حين غرب لا أنفي بعده أحداً .
وقال علي : كفى بالنفي فتنة فدل على انهم غربوا تعزيراً يجوز لهم تركه ولم يكن حداً محتوماً . قيل : أما قول عمر لا أنفي بعده أحداً ، فإنما كان ذلك منه في شارب خمر نفاه فارتد ولحق بالروم ، والنفي في شرب الخمر تعزير يجوز تركه وهو في الزنا حد لا يجوز تركه .
وأما قول علي : ‘ كفى بالنفي فتنة ) فيعني : عذاباً كما قال الله تعالى : ( يوم هم على النار يفتنون ) [ الذاريات : 13 ] أي يعذبون ، ولأن التغريب عقوبة تقدرت على الزاني شرعاً ، فوجب أن يكون حداً كالجلد ، ولأن الزنا معصية توجب حداً أعلى وهو الرجم وأدنى وهو الجلد ، فوجب أن يقترن بأدناها غيرهما كالقتل يوجب أعلى وهو القود وأدنى وهو الدية واقترن بها الكفارة .
فأما الجواب عن الآية فمن وجهين :
أحدهما : أنها تضمنت كل ما وجب بالقرآن ، والتغريب واجب بالسنة دون القرآن .
والثاني : أن الزيادة على النص عندنا لا تكون نسخاً ، ولو كانت نسخاً لم تكن زيادة التغريب ها هنا نسخاً لأمرين :
أحدهما : أننا قد اتفقنا عليها وإن اختلفنا في حكمها ، فجعلوها تعزيراً وجعلناها حداً .
والثاني : أنها تكون نسخاً إذا تأخرت والتغريب ها هنا تفسير لقوله : ( أو يجعل الله لهن سبيلاً ) [ النساء : 15 ] فكان مقدما على قوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ النور : 2 ] فخرج عن حكم النسخ .
وأما الجواب عن تغريبها مع ذي المحرم فمن وجهين :
أحدهما : أنه لما لم يمنع ذلك من تغريبها تعزيراً لم يمنع من تغريبها حداً .