پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص188

الله ، وليس ذلك صريحاً فيه فاقتضى أن يكون بياناً لإجماله ، ويكون حكمهما على هذا الوجه ثابتاً غير منسوخ ؛ لأن بيان المجمل تفسير وليس بنسخ ، ويجوز أن يؤخذ بيان المجمل في القرآن من القرآن ، ومن السنة وهو متفق عليه .

والوجه الثاني : وهو قول الأكثرين من أصحاب الشافعي والأشبه بمذهبه أن الآيتين تضمنتا حداً مفهوماً لا يفتقر إلى بيان ؛ لأن ما في الأولى من إمساكهن في البيوت معلوم ، وما في الثانية من الأذى بما ضر من فعل أو قول مفهوم يتقرر الاجتهاد فيه كالتعزير ثم تعقبه بالنسخ بما ورد من جلد البكر ورجم الثيب ، فعلى هذا اختلف أصحاب الشافعي في هاتين الآيتين هل وردتا في حد البكر أو في حد الثيب ؟ على ثلاثة أوجه :

أحدها : وهو قول أبي الطيب بن سلمة وطائفة أنهما وردتا معاً في حد البكر ، واختلف من قال هذا في سبب تكراره في الآيتين ، فقال أبو الطيب : إن الأولى في أبكار النساء ، والثانية في أبكار الرجال .

وقال غيره : لأن الأولى في البكر التي لها زوج لم يدخل بها ، والثانية في البكر التي لا زوج لها ؛ فعلى هذا يكون حد البكر في هاتين الآيتين منسوخاً بما ورد في سورة النور من قوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ النور : 2 ] ويكون حد الثيب بالرجم فرضاً مبتدأ لم ينقل عن حد منسوخ .

والوجه الثاني : أن الآيتين معاً وردتا في حد الثيب ثم نسخت بالرحم ، وحد البكر فرض مبتدأ بمائة جلدة وردت في سورة النور لم ينقل عن حد منسوخ .

والوجه الثالث : وهو الأظهر أن الآية الأولى في قوله تعالى : ( فأمسكوهن في البيوت ) واردة في حد الثيب ونسخت بالرجم والآية الثانية في قوله : ( فآذوهما ) واردة في حد البكر ونسخت بجلد مائة ، فيكون كلا الحدين من الجلد والرجم منقولين عن حدين منسوخين أما الجلد في نسخه الأذى من الآية الثانية فلا يمتنع ؛ لأنه في سورة النور فهو نسخ القرآن بالقرآن ، وأما الرجم في نسخه بإمساكهن في البيوت من الآية الأولى فنسخه يترتب على أصل الشافعي مقرراً وهو أن القرآن ينسخ بالقرآن ، والسنة تنسخ بالسنة ، ولا يجوز نسخ القرآن بالسنة وإن جوزه أبو حنيفة وبعض المتكلمين ؛ لأن قول الله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) [ البقرة : 106 ] وليست السنة خيراً من القرآن ، وليس مثل القرآن إلا القرآن دليل على أن لا يجوز نسخ القرآن إلا بالقرآن .

واختلف من قال بهذا هل كان مجوزاً في العقل نسخ القرآن بالسنة حتى حظره الشرع ؟ على وجهين :