الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص180
فقد أكرهت قريش بمكة عمار بن ياسر وأبويه على الكفر ، فامتنع منه أبواه فقتلا ، وتلفظ عمار بالكفر فأطلق فأخبر رسول الله ( ص ) فعذر عماراً وترحم على أبويه .
وقيل : إنه نزل فيه : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) [ النحل : 106 ] .
فإن قيل : فأي الأمرين أولى به ؟
قيل : يختلف باختلاف حال المكره .
فإن كان ممن يرجا منه النكاية في العدو أو القيام بأحكام الشرع ، فالأولى به أن يستدفع القتل بإظهار كلمة الكفر .
وإن كان ممن يعتريه من ضعف بصيرته في الدين ، أو يمتنع به من أراد الإسلام من المشركين ، فالأولى به الصبر على القتل والامتناع من إظهار كلمة الكفر .
روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ إن في الجنة لقصراً لا يسكنه إلا نبي أو صديق أو محكم في نفسه ) .
فقيل : إن المحكم هو الذين يخير بين الكفر والقتل ، فيختار القتل على الكفر .
فإن تلفظ بكلمة الكفر ، فله في التلفظ بها ثلاثة أحوال :
إحداهن : أن يتلفظ بلسانه وهو معتقد للإيمان بقلبه ، فهو على إسلامه ، وليس لتلفظه حكم إلا استدفاع القتل ، لقول الله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) [ النحل : 106 ] وهذا مطمئن القلب بالإيمان .
والحال الثانية : أن يتلفظ بلسانه معتقداً له بقلبه ، فهذا مرتد ، لأنه وإن أكره على التلفظ فلم يكره على الإعتقاد فصار ممن قال الله تعالى فيه : ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ) أي يسقط حكم الإكراه بالاعتقاد .
والحال الثالثة : أن يتلفظ بلسانه مطلقاً من غير أن يقترن به اعتقاد إيمان ولا كفر ، ففيه وجهان :
أحدهما : يكون على إسلامه ، لأن ما حدث من الإكراه معفو عنه .
والوجه الثاني : أن يكون مرتداً حتى يدفع حكم لفظه بمعتقده ، لأنه لا عذر له في تركه .