الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص154
ولأن رسول الله ( ص ) قد قبل من المنافقين ظاهر إسلامهم ، وإن تحقق باطن كفرهم ، بما أطلعه الله تعالى عليه من سرائرهم في قوله تعالى : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون . اتخذوا أيمانهم جنة ) [ المنافقون : 1 – 2 ] . وقرئ : إيمانهم – بكسر [ الهمزة ] من الإيمان ، والأول من اليمين .
وقال تعالى : ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ) [ التوبة : 56 ] .
فلم يؤاخذهم بما أطلعه الله تعالى عليه من سرائرهم التي تحقق بها كفرهم ، واعتبر ما تظاهروا به من الإسلام وإن تحقق فيه كذبهم ، فوجب أن يكون أمثالهم من الزنادقة ملحقين بهم وداخلين في حكمهم .
فإن قيل : إنما كف عنهم لأنه لم يعرفهم بأعيانهم ، ولو عرفهم لما كف عنهم .
قيل : قد كانوا أشهر من أن يخفوا ، هذا عبد الله بن أبي ابن سلول وهو رأس المنافقين ، قد تظاهر بالنفاق وأبدى معتقده في مواضع منها :
قوله تعالى : ( ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً ) [ الأحزاب : 12 ] .
وقوله في غزوة تبوك : ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) [ المنافقون : 8 ] .
فأخبر الله تعالى بذلك عنه ، فلما رجع إليها من الغزاة جرد ابنه عليه سيفه ، وقال : والله لئن لم تقل إنك الأذل ورسول الله الأعز ، لأضربنك بسيفي هذا ، فقالها .
ولأن إقراره بالزندقة أقوى من قيام البينة بها عليه ، فلما قبلت توبته إذا أقر بها كان أولى أن تقبل في قيام البينة بها .
ولأنه لو جاز أن يختلف حكم التوبة في جهر الكفر وسره ، لكان قبول توبة المساتر أولى من قبول توبة المجاهر ، لأن الجهر به يدل على قوة معتقده ، والاستسرار به يدل على ضعف معتقده ، فلما بطل هذا كان علته أبطل ، ولأنها توبة من كفر ، فوجب أن تقبل كالجهر .
فأما الجواب عن قوله : ( ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم ) [ آل عمران : 90 ] .
فهو أنه قد تعارض فيها ما يتنافى اجتماعهما ، لأن من ازداد كفراً لم يتب ، ومن