الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص152
ألف الإسلام ، وتوبة المولود على الكفر أضعف ، لأنه قد ألف الكفر ، فلما فسد هذا كان عكسه أفسد .
ودلائل هذا تأتي فيما يليه .
وإن كان الكفر مما يسره أهله كالزندقة : قبلت توبته أيضا عند الشافعي ، تسوية بين ردة كل مسلم ، وبين الردة إلى كل كفر .
وقال مالك : لا تقبل التوبة من الزنديق ، إلا أن يتوب قبل العلم به ، والقدرة عليه .
ففرق بين بعض الكفر وبعضه في الردة ، كما فرق في الأول – إن كان قائلا به – بين بعض المسلمين وبعضهم في الردة .
والزنديق عنده : من أظهر الإسلام وأسر الكفر .
ولأبي حنيفة فيه روايتان :
إحداهما : كقولنا .
والأخرى : كقول مالك .
احتجاجا بقول الله تعالى : ( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم ) [ آل عمران : 90 ] .
ولأن الزنديق يتظاهر بالإسلام ويسر الكفر ، وهو بعد التوبة هكذا ، فصار كما قبلها فلم تؤثر فيه التوبة مما لم يكن ، فوجب أن يكون الحكم فيهما على سواء .
قال : ولأن الزندقة أعظم فساداً في الأرض من الحرابة لجمعها بين فساد الدين والدنيا ، فلما لم تقبل توبة المحاربين بعد القدرة فأولى أن لا تقبل توبة الزنديق بعد القدرة .
قال : ولأن الظاهر من توبة الزنديق أنه يستدفع بها القتل ، كما كان الظاهر من توبة المحارب استدفاع القتل بها ، فوجب أن تحمل توبته على الظاهر من حالها في دفع القتل بها ، كما حملت توبة المحارب على الظاهر من حالها .
ودليلنا : قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى إليكم السلام لست مؤمناً ) [ النساء : 94 ] .