الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص125
ويصيرون بهذا الأمان أمنيين من أهل البغي وأهل العدل ، لعمومه وصحته ، ما لم يقاتلونا ، فإن قاتلونا صاروا كأهل العهد المتقدم إذا قاتلوا على ما سنذكره .
وإن كان عقد الأمان لهم مشروطاً بقتالهم معهم ، كان هذا الأمان باطلاً لأمرين :
أحدهما : أنه لما بطل عقد الأمان لهم بقتالنا لم يجز أن ينعقد على قتالنا .
والثاني : أن عقد الأمان يقتضي أن نؤمنهم ونأمنهم فلم يجز أن نؤمنهم ولا نأمنهم ، وإذا بطل الأمان بما ذكرنا سقط حكمه في أهل العدل ولزم حكمه في أهل البغي اعتباراً بالشرط في حقهم ، وإن بطل في حق غيرهم ، وجاز لأهل العدل قتلهم واسترقاقهم وسبيهم وقتلهم مقبلين ومدبرين ، كما يقتلون ويقاتلون في جهادهم مقبلين ومدبرين .
ولم يجز لأهل البغي قتلهم ولا استرقاقهم وإن حكمنا ببطلان أمانهم للزومه في الخصوص وإن بطل في العموم .
قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا كان لطائفة من المشركين عهداً بأمان متقدم ، فاستعان بهم أهل البغي على قتالنا ، كان ذلك نقضاً لأمانهم إذا قاتلونا لقول الله تعالى : ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) [ الأنفال : 58 ] .
فلما جاز أن ينبذ إليهم عهدهم بنقضه إذا خفناهم كان أولى أن ينقض بقتالهم .
ولأن إعطاء العهد لهم إنما كان لمصلحتنا لا لمصلحتهم ، وكذلك إذا سألوا العهد لم يلزم إجابتهم إليه إلا إذا رأى الإمام في ذلك حظاً للمسلمين ، فيجوز أن يعاهدهم ، فإذا قاتلوا زالت المصلحة فبطل العهد عموماً ، وإن كان في أهل البغي خصوصاً .
وجاز لنا قتلهم وسبيهم ، وقتالهم مقبلين ومدبرين .
فإن أسلموا : لم يؤخذوا بما استهلكوا من دم ولا مال كغيرهم من أهل الحرب ، وبخلاف أهل البغي .
فإن قالوا : لم نعلم أن قتالنا معهم مبطل لعهدنا معكم .
لم يقبل منهم في بقاء العهد معهم ، لأن الأمان هو الكف والموادعة ، فضعف ما ادعوه من الجهالة .