الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص123
فأما أسراهم : فإن لم يكن للمنهزمين دار وفيئة ينضمون إليها : أطلق أسراهم ، وإن كانت لهم دار وفيئة : ففي إطلاق أسراهم وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : ومقتضى التعليل الأول في حبسهم ، أنهم يستبقون في حبسهم ولا يطلقون إلا أن يبايعوا ولا تبقى لهم دار وفيئة .
والوجه الثاني : وهو مقتضى التعليل الثاني في حبسهم ، أنم يطلقون لما قد تم من ضعفهم بالهزيمة .
قال الماوردي : إذا سأل أهل البغي إنظارهم والحرب قائمة ، فهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون ما سألوه من الإنظار قريباً كاليوم إلى ثلاثة أيام ، لا تتفرق فيها العساكر ولا يتباعد فيه معسكره ، فيجابون إليه ، وينظرهم هذه المدة وعسكره مقيم عليهم ، ويتحرز في هذه المدة منهم ، لأن قتالهم لا يدوم اتصاله ليلاً ونهاراً ، ولا بد فيه من استراحة عسكره ودوابه ، فيجعلها إجابة لسؤالهم إعذاراً وإنذاراً .
والضرب الثاني : أن يسألوه الإنظار مدة طويلة كالشهر وما قاربه يبعد فيها المعسكر ويتفرق فيها العساكر ، فينبغي للإمام أن يجتهد رأيه في الأصلح ، بالكشف عن سرائرهم وعن أحوال عسكرهم .
فإن علم من مسألتهم الإنظار ليستوضحوا الحق من الباطل أو ليجمعوا كلمة جماعتهم على الطاعة أنظرهم ، سواء كان في عسكره قوة عليهم أو ضعف عنهم ، لأن المقصود منهم عودهم إلى الطاعة دون الاصطلام .
وإن علم أنهم سألوه الإنظار ليجمعوا فيها ما يتقوون به عليه ، إما من عساكر أو أموال أو سألوه الإنظار ليطلبوا له المكايد أو ليتفرق عنه العسكر فيثقل عليه العود . نظر حينئذ إلى حال عساكره :
فإن وجد فيهم قوة على قتالهم وصبراً على مطاولتهم لم ينظرهم وأقام على حربهم حتى يذعنوا بالطاعة أو ينهزموا .
وإن وجد في عسكره ضعفاً عنهم وعجزاً عن مطاولتهم أنظرهم ليلتمس القوة عليهم إما بعساكر أو بأموال ، وجعل ظاهر الإنظار إجابة لسؤالهم ليقيموا على الكف والموادعة ، وباطن إنظارهم التماس القوة عليهم حتى لا يغفل عنهم .