الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص116
مروان فقال لي : ما رأيت أكرم غلبة من أبيك ، ما كان إلا أن ولينا يوم الجمل حتى نادى مناديه : ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح .
ولما ولى الزبير عن القتال وخرج عن الصف ، قال علي : أفرجوا للشيخ فإنه محرم ، فمضى وأتبعه عمرو بن جرموز . حتى ظفر باغتياله فقتله بوادي السباع وأتى علياً برأسه ، فقال علي : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : بشر قاتل ابن صفية بالنار .
فقال عمرو : أف لكم إن كنا معكم أو عليكم في النار ، فقام وهو يقول :
وولي طلحة بن عبيد الله ، فلم يعرض له أحد من أصحاب علي حتى رماه مروان بن الحكم بسهم في أكحله فقتله ، وكان في عسكر طلحة والزبير ، فلما كان في الليل سار علي – عليه السلام – ومعه قنبر مولاه بمشعلة يتصفح القتلى ، فمر بطلحة قتيلاً ، فوقف عليه وبكى وقال :
أعزز علي أبا محمد أن أراك مجدلاً تحت نجوم السماء ، لله وإنا إليه راجعون ، شفيت غيظي وقتلت معشري إلى الله أشكو عجري وبجري ، ثم أنشأ يقول :
فتى كان يعطي السيف في الروع حقه إذا ثوب الداعي ويشقي به الجور
وقال أبو حنيفة : لا يتبع المنهزم إلى غير دار وإمام ، ويتبع المنهزم إلى دار وإمام ويقتل إن ظفر به .
احتجاجاً : بأن عليا لم يتبع من انهزم من أهل الجمل ، لأنهم انهزموا إلى غير دار وإمام ، واتبع من انهزم يوم صفين لأنهم رجعوا إلى دار وإمام .
حتى روي أنه اتبع مدبراً ليقتله فكشف عن سؤته فكف على طرفه ورجع عنه .
قال : ولأن الانهزام مع بقاء الدار والإمام لا يكون رجوعاً عن البغي ، ولا مانعاً من العود .
ودليلنا : ما روي عن علي – كرم الله وجهه – أنه أتى بأسير يوم صفين ، فقال له الأسير : أتقتلني صبراً . فقال : لا إني أخاف الله رب العالمين ، وخلى سبيله .