الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص111
وقد بان هذا القول منهم في قول شاعرهم :
فلم يرد عليهم أبو بكر ولا أحد من الصحابة ما قالوه من بقائهم على إيمانهم فدل على ثبوته إجماعاً .
أحدهما : من منعها مستحلا لمنعها ، فيكون باستحلال المنع مرتداً ، وإن لم يكن المانع منها في عهد أبي بكر مرتداً .
والفرق بينهما : أن المنع الأول كان قبل الإجماع على إبطال ما اشتبه عليهم من حكم الآية ، فكان لتأويل الشبهة مساغاً ، والمنع الحادث بعده قد انعقد الإجماع على إبطال الشبهة ، فيه ، فلم يكن للتأويل مساغ ، فافترقا في حكم الردة لافتراقهما في حال الإجماع .
ومثاله : شارب الخمر في عصر الصحابة لما استحل شربها بشبهة تعلق بها في قوله تعالى : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وأمنوا ) [ المائدة : 93 ] لم يكفر لاحتمال شبهته فلما اجمع الصحابة على بطلان هذا التأويل صار مستحلها كافراً .
والضرب الثاني : أن يمنعوا منها غير مستحلين لمنعها ، فيجوز قتالهم على أخذها منهم .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز قتالهم على منعها مع إقرارهم بوجوبها لأمرين :
أحدهما : لتعلقها بأموالهم دون أبدانهم ، فكان المال هو المطلوب دونهم .
والثاني : أن الله تعالى قد ائتمنهم على أدائها فكانت كالأموال الباطنة . ودليلنا : قول أبي بكر للصحابة – رضي الله عنهم – في مانعي الزكاة : والله لو منعوني عناقاً أو عقالا مما أعطوا رسول الله ( ص ) لقاتلتهم عليه .
فوافقوه عليه بعد مخالفتهم له ، فدل على انعقاد الإجماع به .
ولأنهم لما قوتلوا لامتناعهم من حق الإمام في الطاعة ، كان قتالهم في امتناعهم من حق الله تعالى في الزكاة أولى . ولأن العبادات نوعان : على أبدان ، وفي أموال ،