الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص106
أحدهما : أن ما وجب على أهل العدل من قتالهم يمنع من ضمان ما تلف بالقتال من دمائهم وأموالهم لتنافي اجتماع وجوب القتال ووجوب الضمان .
والثاني : أن مقصود القتال دفعهم عن بغيهم ، فصاروا في هدرها كالطالب إذا قتله المطلوب دفعاً عن نفسه .
وهل يضمن أهل البغي لأهل العدل ما استهلكوه من دمائهم وأموالهم أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : قاله في القديم ، ويشبه أن يكون مذهب مالك : انهم يضمنونه لهم لأمرين :
أحدهما : أنهم لما ضمنوه إذا لم يمتنعوا ضمنوه وإن امتنعوا كأهل الحرابة .
والثاني : أنه لما كان القتال محظوراً عليهم كان ما حدث عنه مضموناً كالجنايات ، كما أن القتال لما وجب على أهل العدل كان ما حدث عنه غير مضمون كالحدود ، لفرق ما بين الواجب والمحظور .
والقول الثاني : قاله في الجديد ، وهو قول أبي حنيفة : أنه لا ضمان عليهم وهو الصحيح لقول الله تعالى : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ) [ الحجرات : 9 ] .
فأمر بالإصلاح بينهم ، ولم يذكر تبعة في دم ولا مال ، فدل على سقوطه عنهم .
ولما روي أن أبا بكر – رضوان الله عليه – قال لمن تاب من أهل الردة : تدون قتلانا ولا ندري قتلاكم ، فقال له عمر : لا نأخذ لقتلانا دية ، لأنهم عملوا الله وأجورهم على الله ، فسكت أبو بكر سكوت راجع إلى قوله .
ولما روي أن طليحة قتل ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن ، وهرب إلى الشام ، ثم أسلم ، وقدم على أبي بكر ، فقبل توبته ولم يقتص منه .
وهكذا فعل علي – رضي الله عنه – يوم الجمل لم يأخذ أحداً بما استهلكه من دم ولا مال مع معرفة القاتل والمقتول والتالف والمتلوف .
وهكذا حكى ابن المسيب والزهري فدل على الإجماع في سقوط الضمان .
ولأنهما طائفتان ممتنعتان اقتتلتا تديناً ، فلم يضمن بعضهم بعضاً كالمسلمين .