پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص93

( فصل )

فإذا تقرر ما ذكرنا من تفسير الآية التي هي أصل يستنبط منه أحكام السحر فقد اختلف أهل العربية في معنى السحر في اللغة على وجهين :

أحدهما : أنه إخفاء الخداع وتدليس الأباطيل ومنه قول امرئ القيس .

( أرانا موضعين لأمر غيب
ونسحر بالطعام وبالشراب )

أي نخدع .

والوجه الثاني : قاله ابن مسعود كنا نسمي السحر في الجاهلية العضة والعضة – شدة البهت وتمويه الكذب .

وأنشد الخليل :

( أعوذ بربي من النفاثات
ومن عضه العاضة المعضة )

والكلام في السحر يشتمل على ثلاثة فصول :

أحدها : في حقيقة السحر .

والثاني : في تأثير السحر .

والثالث : في حكم السحر .

فأما الفصل الأول : في حقيقة السحر ، فقد اختلف الناس فيها ، فالذي عليه الفقهاء ، والشافعي وأبو حنيفة ومالك وكثير من المتكلمين أنه له حقيقة وتأثيراً وذهب معتزلة المتكلمين والمغربي من أهل الظاهر ، وأبو جعفر الاستراباذي من أصحاب الشافعي – إلى أن لا حقيقة للسحر ولا تأثير وإنما هو تخييل وتمويه كالشعبذة لا تحدث في المسحور إلا التوهم وللاستشعار استدلالا بقوله تعالى : في قصة فرعون وموسى ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى ) [ طه : 66 ، 67 ] فأخبر أنه تخييل لا حقيقة له ، وذلك انهم جعلوا فيما مثلوه بالحيات من الحبال والعصي زئبقاً واستقبلوا بها مطلع الشمس فلما حمى بها ساح وسرى فسرت تلك الحبال كالحيات السارية ومعلوم من هذا أنه تخييل باطل ، ولأنه لو كان للسحر حقيقة لخرق العادات ، وبطل به المعجزات وزالت دلائل النبوات ولما وقع الفرق بين النبي والساحر ، وبين الحق والباطل وفي هذا دفع لأصول الشرائع وإبطال