الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص87
والضرب الثاني : أن يكون له استيفاء القصاص فظاهر ما نص عليه في هذا الموضع جواز الوكالة وظاهر ما نص عليه في كتاب الوكالة بطلانها فاختلف أصحابنا فمنهم من خرجه على اختلاف قولين ، وقد شرحنا كلا الطريقتين ، فإن قيل بأن الوكالة في الاستيفاء لا تصح منع الوكيل من القصاص ، فإن اقتص فقد أساء ولا ضمان عليه ، لأنه مأذون له فيه مع فساد عقده ، وإن قيل بجواز الوكالة في الاستيفاء فإن عقدت الوكالة بعد ثبوت القصاص صحت وإن عقدت قبل ثبوت القصاص ففي صحتها وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا تصح الوكالة لعقدها قبل ثبوت الاستحقاق .
والوجه الثاني : تصح الوكالة لأن القصاص مستحق بالقتل فصارت الوكالة معقودة بعد الاستحقاق وهكذا لو جمع له في عقد الوكالة بين تثبيت القصاص ، وبين استيفائه ، صحت الوكالة في إثباته ، وفي صحتها في استيفائه وجهان .
فإذا صحت الوكالة في الاستيفاء فهل يلزم إحضار الموكل إلى حيث يعلم الوكيل أو الحاكم بطلبه وعفوه ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، يلزم حضوره إلى حيث لا يخفى على الوكيل أو الحاكم حاله في بقائه على الطلب أو حدوث العفو ، لأنه قود يفوت استدراكه ، والظاهر من أحوال أهل الدين الذين وصفهم الله تعالى بالرأفة والرحمة أن يعفو بعد ظهور القدرة .
والوجه الثاني : لا يلزم أن يقرب كما لم يلزمه أن يحضر ، لأن ظاهر حاله بقاؤه على استيفاء ما وكل فيه ولا يمنع من ذلك فوات استدراكه كما لم يمنع من التوكيل في عقد النكاح ، وفي الطلاق الثلاث ، مع فوات استدراكه ، والله أعلم .
قال الماوردي : وقد مضت هذه المسألة في أول كتاب الجنايات وهو أن يأمر السلطان رجلا بقتل رجل ظلماً فقتله المأمور لم يخل حاله من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يعتقد أن السلطان محق في قتله ، وأنه لا يرى قتل أحد ظلماً فعلى السلطان الآمر القود ، دون المأمور القاتل ، لأن المأمور كالآلة لالتزامه طاعة سلطانه ، والسلطان هو القاتل لنفوذ أمره ، ولا تعزير على المأمور ، لأنه أطاع فيما ظاهره حق .
والقسم الثاني : أن يكون القتل مختلفاً في استحقاقه ، كقتل المسلم بالكافر ،