الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص82
قال الماوردي : وصورتها في قتل عمد ترك ابنين شهد أحدهما على أخيه بالعفو فلا تخلو شهادته عليه ، من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يشهد عليه بعفوه عن القود وحده ، فيسقط القود بهذه الشهادة في حق الشاهد والمشهود عليه بحكم الإقرار ، لا بحكم الشهادة ، ويستوي فيها من تجوز شهادته ومن لا تجوز ، لأن الشاهد على أخيه بالعفو مقر لسقوط القود في حق نفسه ، لأن القود لا يتبعض ، وعفو أحد الأولياء عنه موجب لسقوطه في حقوق جميعهم ، وإذا سقط في حق الشاهد ، سقط في حق المشهود عليه ، ولا يمين على القاتل في إثبات العفو ولا على المشهود عليه في نفيه لسقوط القود بمجرد الإقرار وقضى لهما بدية العمد على سواه .
والقسم الثاني : أن يشهد عليه بعفوه عن الدية دون القود ، فينظر حال الشاهد ، فإن كان ممن لا تجوز شهادته بجرحه رد قوله ، ولم يحكم به في شهادة ولا إقرار ، لأن المجروح لا يشهد ، والإقرار لا يؤثر ، وكان المشهود عليه على حقه من القود والدية . وإن كان الشاهد ممن تجوز شهادته لعدالته لم تؤثر بشهادته في القود ، لأنه ما شهد بالعفو عنه ، وكان أخوه على حقه منه وهل تكون شهادته مؤثرة في العفو عن الدية أم لا ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قوليه في قتل العمد والذي يجب به على قولين :
أحدهما : أنه موجب لأحد أمرين من القود ، أو الدية ، فعلى هذا تؤثر شهادة الأخ في العفو عن الدية ، إذا حلف معه القاتل لقد عفا عن الدية لأن الإبراء من المال يحكم فيه بالشاهد واليمين ، فيسقط حقه من الدية ويتعين حقه في القود ، ويكون مخيراً بين استيفائه ، أو إسقاطه من غير دية .
والقول الثاني : أن قتل العمد موجب للقود وحده ، فإما الدية فلا تجب إلا باختيار الولي فعلى هذا لا تؤثر هذه الشهادة وإن حلف معها القاتل ، لأنها بينة على الإبراء من الدية قبل استحقاقها ، ويكون الأخ المشهود عليه مخيراً بين القود والعفو عنه لا اختيار الدية .
والقسم الثالث : أن يشهد عليه بعفوه عن القود والدية معاً ، فالقود قد سقط بكل حال ، سواء كان الشاهد ممن تجوز شهادته أو لا تجوز لما بيناه من قبل ، فأما الدية فهي معتبرة بحال الشاهد ، فإن كان ممن لا تجوز شهادته كانت شهادته مردودة ، وحلف المشهود عليه ما عفا عن الدية ولا يحتاج أن يذكر في يمينه وما عفا عن القود ، ولا يختلف أصحابنا فيه ، لأن يمينه موضوعة لإثبات ما يستحقه وهو يستحق الدية دون القود ، وإن كان الشاهد ممن تجوز شهادته أبرأت شهادته قولاً واحداً إذا حلف معها