الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص74
إذا كانت عمدا إلا شاهدان ، لأنها موجبة للقصاص فإن قيل : إذا أقام في عمدها شاهداً وامرأتين ، أو شاهداً ويميناً ، هلا حكمتم له بالدية وأسقطتم القود ؟ كالسرقة إذا شهد بها شاهدان حكم فيها بالقطع والغرم وإن شهد بها شاهد وامرأتان أسقط القطع وحكم بالغرم ، [ قيل لا ] لفرق منع من الجمع بينهما وهو أن الغرم والقطع في السرقة حقان يجمع بينهما لاختلاف مستحقها وليس أحدهما بدلا من الآخر ، فجاز أن يفرد كل واحد منها بحكمه والقصاص والأرش في الموضحة حق وجب بسبب واحد لمستحق واحد أحدهما بدلا من الآخر فشاركه في حكمه ، فلم يجز أن يثبت أحدهما مع انتفاء الآخر فافترقا .
وأما ما فوق الموضحة من الهاشمة والمنقلة والمأمومة فقد جمعت هذه الشجاج بين ما فيه قصاص وهو الإيضاح وبين ما ليس فيه قصاص ، وهو الهشم والتنقيل ففيها للشافعي قولان :
أحدهما : وهو المنصوص عليه في هذا الموضع ، أنه لا يقبل فيها إذا كانت عمداً إلا شاهدان ، لأن فيها إيضاحاً يستحق فيه القصاص لمن طلب .
والقول الثاني : قاله في كتاب الشاهد واليمين ، أنه يقبل فيها شاهد وامرأتان وشاهد ويمين ، لأنه لما قبل ذلك فيه إذا انفرد عن الإيضاح لم يمتنع قوله فيه إذا اقترن بالإيضاح وصار الإيضاح ملحقاً به في سقوط القصاص لمشاركته له .
قال الماوردي : قد مضى الكلام في الشهود ، فأما صفة الشهادة : فيجب أن تكون مفسرة لا احتمال فيها ، لقول الله تعالى : ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) [ الزخرف : 86 ] فإذا قال الشاهدان : رأيناه قد طلبه بسيف وغابا عنا ثم رأيناه قتيلاً ، أو جريحاً ، لم تقبل هذه الشهادة لجواز أن يكون قد قتله أو جرحه غيره وهكذا لو قالا : قد رأيناه وقد ضربه بسيف ثم غابا ووجدناه قتيلاً أو جريحاً لم تقبل لجواز ما ذكرنا من قتل غيره أو جراحه غيره فإن قالا رأيناه وقد ضربه بسيفه فأنهر دمه ومات مكانه قبلت هذا الشهادة ، لأن ظاهر موته أنه من إنهار دمه فإن ادعى الجارح أنه مات من غير جراحته لم يقبل منه مع الشهادة عليه بموته عقيب جراحته ولا يحلف وليه ، وإن قالا أنهر دمه ولم يشهدا بموته نظر في موته فإن بعد زمان لا يجوز أن تندمل