الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص65
أحدهما : وهو المقدم فيها قتل المؤمن في دار الإسلام فأوجب فيه الدية والكفارة بقوله تعالى : ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ) وقد استوفيناه .
والثاني : قتل المؤمن في دار الحرب فأوجب فيه الكفارة ولم يوجب فيه الدية بقوله تعالى : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) ومعناه فإن كان من قوم من أعدائكم مؤمن قتلتموه بينهم فتحرير رقبة تلزمكم في قتله .
ولا يخلو حال قتله فيهم من أربعة أقسام :
أحدها : أنه يعلم قاتله أن مسلم وتعمد قتله فعليه القود .
وقال أبو حنيفة : لا قود عليه لقول النبي ( ص ) ‘ منعت دار الإسلام ما فيها وأباحت دار الشرك ما فيها ) ولأنه مقتول في دار الحرب فلم يستحق فيه قود كأهل الحرب .
ودليلنا قول النبي ( ص ) ‘ إن الله حرم من المسلم ماله ودمه وأن لا يظن به إلا خيرا ) ولأنه عامد لقتل مسلم محقون الدم فوجب أن يلزمه القود كما لو قتله في دار الإسلام . والجواب عن الخبر والقياس أن دار الشرك لم تبح دمه وأباحت دم المشرك .
وقال مالك : تجب فيه الدية .
وقال أبو حنيفة : إن كان في دار الإسلام أو هاجر إليها وجبت فيه الدية وإن لم يسلم فيها ولا هاجر إليها ، لم تجب فيه الدية ، لثبوت حرمة الدار على المهاجر وعدمها في غير المهاجر واستدلا في الجملة بقوله تعالى ( ودية مسلمة إلى أهله ) فكان على عمومه ولأنه مقتول مسلم فوجب أن يكون مضموناً بالدية كالمقتول في دار الإسلام ،
ودليلنا : قوله تعالى ( وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] ، فكان الدليل فيها من وجهين :
أحدهما : اقتصاره على الكفارة ولو وجبت فيه الدية لذكرها .
والثاني : أنه غاير بين قتله في دار الإسلام ودار الشرك ، ولو تساوياً لأطلق ولم يغاير بينهما ، ولأنها دار إباحة لم يعمد فيها قتل مسلم . فوجب أن لا يضمن بالقتل دية كما لو قتل غير مسلم ؛ ولأن من لم يضمن ديته إذا لم يهاجر لم يضمن ، وإن هاجر ،