الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص60
واختلف أصحابنا في هذا الامتناع من استحلافه هل هو مستحب أو واجب ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه مستحب فإن أحلف في حال سكره أجزأ ، لأننا نجري عليه في السكر أحكام المفيق .
والوجه الثاني : أنه واجب ، وأن الاستحلاف في حال سكره لم يجزه ، لما قدمنا من وضع اليمين للزجر وسكره يصد عن الانزجار .
وأما المزني فإنه جعل منع الشافعي من استحلافه في السكر دليلا على أن طلاق السكران لا يقع . فيلزمه حكم الشافعي بوقوع طلاقه وصحة ظهاره وثبوت ردته ، ومنع من إحلافه واستتابته من ردته حتى يفيق ، فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين :
أحدهما : أنه يجري عليه في جميعها أحكام الصاحي فيما له وفيما عليه مما ضره أو نفعه ، وهو الظاهر من قول أبي إسحاق المروزي ، ويحمل منعه من إحلافه واستتابته على الاستحباب دون الوجوب ، وأنه إن حلف وتاب صحت أيمانه وتوبته كالمفيق فعلى هذا لا دليل للمزني فيه .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه يجري عليه أحكام الصاحي فيما عليه مما يضره ولا يجري عليه أحكام الصاحي فيما له مما ينفعه ، لأن السكر معصية توجب التغليظ فاختص بلزوم أغلظ الحكمين وسقوط أخفهما فعلى هذا لا دليل للمزني فيه لأن وقوع الطلاق تغليظ وصحة الأيمان تخفيف والله أعلم .
قال الماوردي : قد مضى تغليظ الأيمان في القسامة فأما تغليظها في غير القسامة من الدماء ، ففيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : تغليظ في النفس وفيما دون النفس وإن لم يحكم فيها بالقسامة تغليظاً لحكم الدماء وفي كيفية تغليظها ما قدمناه من الأقاويل .
والقول الثاني : لا تغلظ في النفس ولا فيما دون النفس إذا سقطت القسامة اعتباراً بسائر الدعاوى والمستحق فيها يمين واحدة .