الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص46
هذا ، لو قال كل واحد منهما قد عرفت الآخر وهو الذي قد عرفه أخي لجهلي به من قبل ومعرفتي له من بعد صار ذلك اتفاقاً منهما على القاتلين ، لأنه قد تعرف من جهل فجاز لهما أن يشتركا في القسامة عليهما ويأخذا من كل واحد منهما نصف الدية بينهما .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا أقسم الولي مع ظهور اللوث على رجل بعينه وقضى عليه بالدية بعد القسامة ثم ظهر بعدها ما يمنع من الحكم بها فهو على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون من شهود عدول فيشهد شاهدان أن هذا المدعى عليه القتل كان في وقت القتل غائباً في بلداً آخر ، أو كان محبوساً لا يصل إلى قتله ، أو صريعاً من مرض لا ينهض معه إلى حركة أو يشهدان أن القتيل الموجود في محلته نقل إليها بعد القتل من محلة إلى محلة أخرى ، فهذا كله مبطل للوث وموجب لنقض الحكم بالقسامة .
وهكذا : لو شهدا أن المنفرد بالقتل كان رجلاً آخراً ، بطلت القسامة ولم يحكم بالقتل على الثاني لشهادتهما قبل الدعوى عليه ، فإن أعادا الشهادة بعد الدعوى لم تسمع لأن المدعي مكذب لهما بدعواه على الأول ، وإذا بطلت القسامة بهذه الشهادة ، انقسمت في إبطال الدعوى ثلاثة أقسام أحدها : ما يبطل به الدعوى كما بطلت به القسامة ، وهو الشهادة بأنه كان غائباً ، أو محبوساً ، لاستحالتها مع صحة الشهادة .
والثاني : ما لا يبطل به الدعوى ، وإن بطلت به القسامة ، وهو الشهادة بأنه نقل من محلة إلى أخرى ، لاحتمال أن يقتله في غير محلته .
والثالث : ما يبطل به نصف الدعوى وإن بطل به جميع القسامة ، وهو الشهادة بأن المنفرد بقتله رجل آخر ، لأن إثبات القتل على الثاني بالشهادة مانع من أن يكون الأول منفرداً بقتله ، ولا يمنع من أن يكون شريكاً فيه لأنه يجوز أن يكون جرحه من قبل الثاني ، فلم يره الشهود ، فلم يمتنع أن يكون شريكاً ، وإن امتنع أن يكون منفرداً ، لذلك بطل نصف الدعوى ، ولم يبطل نصفها ، فهذا حكم الشهادة في إبطال اللوث ، وإبطال الدعوى والله أعلم .