الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص42
والحالة الثانية : أن يموت بعد نكوله عن الأيمان ، فليس لورثته أن يقسموا لأن حقه في الأيمان قد سقط بنكوله عنها ، فصار مستهلكاً لها في حقوق ورثته .
وإذا سقط حقهم من القسامة كان لهم إحلاف المدعى عليه بأيمان القسامة ، لأن نكول المدعي عن أيمان القسامة يوجب نقلها إلى المدعى عليه في حق المدعي ، فوجب أن تنتقل عنه بموته إلى ورثته وإن سقطت حقوقهم من أيمان قسامته .
والحالة الثالثة : أن يموت قبل الأيمان من غير نكول عنها ، فينتقل الحق فيها إلى ورثته ، لقيامهم مقامه في حقه بعد موته ، فعلى هذا إذا مات وحصته من أيمان القسامة خمسة وعشرون يميناً لأنه واحد من اثنين ، وقد مات عن ابنين ، وجب أن يقسم أيمانه بينهما ، فيقسم كل واحد منهما نصفها ثلاثة عشر يميناً ، بعد جبر كسرها ثم على هذا القياس ، إن مات وارث المقتول وترك وارثاً .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا حلف الوارث بعض أيمان قسامته فلم يكملها حتى مات ؟ لم يجز لوارثه أن يبني عليها ، واستأنف أيمان القسامة بعد موته ، ولم يكن لما تقدم من الأيمان تأثير ، لأن الباقي منها وإن قل يمنع من استحقاق الدية حتى يستوفي فلو بنى الوارث عليها ، لصار الموروث نائباً فيها ، وقد ذكرنا أنه لا نيابة في الأيمان ، ولكن لو أقام الوارث قبل موته من البينة شاهداً واحداً جاز لوارثه أن يبني على بينته ، فيقم شاهداً آخر ، وتكمل البينة ، لما ذكرنا من الفرق بين الأيمان والبينة .
قال الماوردي : الأولى في أيمان القسامة أن توالى ولا تفرق ، لأنها موضوعة للزجر والتغليظ ، وهي في الموالاة أغلظ وأزجر ، فإن فرقت كره تفريقها ، وأجزأت سواء طال التفريق أو قصر ، وسواء قل التفريق أو كثر لأنه قد صار حالفاً بجميعها ، فعلى هذا لو جن أو أغمي عليه في تضاعيف أيمانه أمسك عن الأيمان في زمان جنونه وإغمائه ، لأن لا حكم لقوله ، فلم يتعلق بيمينه حكم ، فإذا أفاق من جنونه أو إغمائه بنى على ما تقدم من أيمانه قبل الجنون والإغماء ، لما ذكرنا من أن تفرقه الأيمان لا تمنع من اجزائها ولا يبطل ما تقدم منها لحدوث الجنون وإن بطلت به العقود الجائزة من الشرك ، والوكالات لأن الأيمان لا يتوجه إليها فسخ وإن توجه إلى العقود فسخ ، والله أعلم