الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج13-ص41
البالغ الحاضر أن يقسم ، أو المكذب في أحد القولين ، قيل له : لا يحكم لك بحقك من الدية إلا أن تستوفي أيمان القسامة كلها . وإن كان يلزمك في الاجتماع بعضها ، لأن عدد الأيمان حجة لك في قبول دعواك ، كالبينة فلم يجز أن يحكم بها إلا بعد استيفائها كما لا يحكم بالبينة ، إلا بعد كمالها ، فإذا حلف خمسين يميناً حكم له بحقه من الدية ، فإذا بلغ الصغير ، أو قدم الغائب لم يحكم له بحقه من الدية حتى يحلف على دمه ، فإن قيل : فالأيمان في القسامة حجة كالبينة فهلا كان وجودها من بعضهم حجة لجميعهم كالبينة ؟ قيل : الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن النيابة في إقامة البينة تصح وفي الأيمان لا تصح .
الثاني : أن البينة حجة عامة والأيمان حجة خاصة ، فلهذين الفرقين لم يثبت حقه فيها بأيمان أخيه ، وإن ثبت حقه ببينته .
فإذا أراد أن يحلف حلف خمسة وعشرين يميناً ، لأنه واحد من اثنين فصارا بعد أيمان الأخ كالمجتمعين ، فلو كان معهما ثالث غائب ، حلف إذا حضر سبعة عشر يميناً ، لأنه واحد من ثلاثة ، فإن كان معهم رابع ، حلف إذا حضر ثلاثة عشر يميناً ، لأنه واحد من أربعة مثال هذا الشفعة إذا استحقها أربعة وحضر أحدهم كان له أخذ جميعها ولم ينفرد بحقه منها ، لأنه قد يجوز أن يعفو عنها شركاؤه فصار فيها كالمنفرد بها ، فإذا قدم الثاني أخذ النصف لأنه واحد من اثنين – فإذا قدم الثالث أخذ الثلث ، لأنه واحد من ثلاثة ، فإذا قدم الرابع ، أخذ الربع لأنه واحد من أربعة .
قال الشافعي : ‘ فإن ترك أكثر من خمسين ابناً حلف كل واحد منهم يميناً يجبر عليه كسر اليمين ) وهذا صحيح ، لأن اليمين لا تتبعض ، فلذلك جبرنا كسرها ، كما يجبر كسر الطلاق ، والإقرار ، والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا مات واحد من مستحقي القسامة مثل أن يموت واحد من اثنين ، ويخلف بعد موته ابنين فله قبل موته ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يموت بعد قسامته فقد ملك حقه من الدية بأيمانه ، فينقل ذلك إلى ورثته من غير قسامة فإن قيل : إذا لم تجعلوا لبعض الورثة أن يملك حقه من الدية بيمين غيره فلما جعلتم لأولاد هذا الميت أن يملكوا ذلك بأيمان أبيهم ؟ قيل لأنهم ملكوه عن أبيهم فجاز أن ينتقل إليهم بأيمانه ، وليس يملك الأخ عن أخيه ، فلم يجز أن يملك بأيمان أخيه .