پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص397

قال الماوردي : أما إذا كانت الغرة موجودة فلا يجوز العدول عنها إلى الإبل ولا ورق ولا ذهب ، سواء قيل في دية النفس إنه مخير بين الإبل والورق والذهب على قوله في القديم ، أو قيل لا يؤخذ فيها إلا الإبل مع وجودها على قوله في الجديد ، وإنما كان كذلك للفرق بينها شرعاً في أن النص لم يرد في الجنين إلا بالغرة وإنما عدل إلى قيمتها بالاختلاف نفياً للجهالة عنها ، والنص وارد في دية النفس بالإبل والورق والذهب فافترقا ، فإن عدمت الغرة دعت الضرورة إلى العدول إلى قيمتها كالطعام المغصوب الذي يستحق مثله ، فإن عدم المثل عدل إلى قيمته ، وفي المعدول إليه من القيمة وجهان بناء على اختلاف الوجهين فيما يقوم به الغرة مع وجودها :

أحدهما : وهو قول البغداديين : يعدل عند عدمها إلى الورق إذا قيل إنها تقوم بالورق ، فعلى هذا تؤخذ عنها في الخطأ المحض ستمائة درهم وفي عمد الخطأ ثمانمائة درهم .

والثاني : وهو قول البصريين : يعدل عن الغرة عند عدمها إلى الإبل إذا قيل تقوم بقيمة خمس من الإبل ، فعلى هذا يؤخذ في الخطأ المحض خمس من الإبل أخماساً ، وفي عمد الخطأ خمس من الإبل أثلاثاً ، فإن أعوزت الإبل صار كإعوازها في دية النفس ، فهل يعدل إلى قيمتها ما بلغت ، أو إلى المقدر فيها من الورق والذهب على ما مضى من القولين ؟ القديم منها يعدل إلى المقدر فيجب عنها ستمائة درهم أو خمسون ديناراً يزاد عليها في التغليظ ثلثها ، وعلى قوله في الجديد يعدل عنها إلى قيمة خمس من الإبل ما بلغت قيمتها من ورق أو ذهب والله أعلم .

( مسألة )

قال الشافعي رضي الله عنه : ‘ ويغرمها من يغرم دية الخطإ ‘ .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، لأن العمد المحض في الجناية على الجنين يمتنع لامتناع مباشرته لها ، وكانت من بين خطإ محض تتخفف فيه الغرة كما تتخفف ديات الخطإ وبين عمد الخطإ تتغلظ فيه الغرة كما تتغلظ ديات عمد الخطإ ، وإذا كان كذلك وجبت الغرة على العاقلة في حالي تخفيفها وتغليظها وأوجبها مالك في مال الجاني بناء على أصله في أن العاقلة لا تتحمل عنده إلا ما زاد على ثلث الدية ، والدليل عليه مع ما تقدم من دليل الأصل أن النبي ( ص ) قضى بالغرة في الجنين على العاقلة ، فقالوا : كيف ندي من لا ضرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل ، ومثل ذلك بطل ، وفي مدة ما تؤديها العاقلة وجهان :

أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : تؤديها في ثلاث سنين ، لأنها دية نفس فشابهت كمال الدية .