الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص335
كانوا قد أمروه بإلقائه لم يضمنوا ، لأن الملقي لا يستبيح الإلقاء بأمرهم ، فصار وجود أمرهم وعدمه سواء .
فإن قيل : فهلا سقط ضمان هذا المال لما في استهلاكه من خلاص النفوس كالفحل إذا صال فقتل لم يضمن .
قيل : لأن خوف الفحل لمعنى فيه فسقط ضمانه ، وخوف الغرق لمعنى في غير المالك فلزم ضمانه ، كما لو اضطر إلى أكل طعام غيره ضمنه ، فإن القى متاع نفسه فعلى ضربين :
أحدهما : بأمرهم .
والثاني : بغير أمرهم .
فإن ألقاه بغير أمرهم كان محتسباً في إلقائه لما يرجى من نجاته ونجاتهم ، وليس له الرجوع بقيمته على أحد منهم ، وإن كان ألقاه سببا لنجاتهم ؛ لأنه تطوع بإلقائه ، وإن ألقاه بأمرهم فعلى ضربين :
أحدهما : أن يضمنوا له قيمته .
والثاني : أن لا يضمنوها .
فإن لم يضمنوها بل قالوا ألق متاعك فألقاه فلا غرم له عليهم وإن أمروه به ، وحكى عن مالك أن عليهم ضمانه وغرمه ، لأن الآمر كالفاعل ، ولما في ذلك من عموم الصالح وهذا فاسد ؛ لأمرين :
أحدهما : أنهم لو أمروه باستهلاكه في غير البحر لم يضمنوه فكذلك في البحر .
والثاني : أنهم لو أمروه بعتق عبده أو بطلاق زوجته لم يضمنوا كذلك بإلقاء ماله وإن ضمنوه له فقالوا له ألق متاعك وعلينا ضمانه فألقاه لزمهم ضمانه ، وهو قول الجمهور ، وقال أبو ثور : لا يلزمهم ضمانه ، لأنه ضمان ما لم يجب ، كما لو قال له : قد ضمنت لك ما تداين به فلانا لم يلزمه ضمان ما داينه به ، لتقدم ضمانه على الوجوب ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن أحكام الضرورات وعموم المصالح أوسع من أحكام العقود الخاصة في الاختيار .
والثاني : أنه لو قال له : اعتق عبدك عني وعلي ضمانه لزمه الضمان لعتقه كذلك في مسألتنا ، فأما ضمان ما لم يجب فقد اختلف أصحابنا فيه هاهنا على وجهين :
أحدهما : أنه ليس بضمان ، وإنما هو استدعاء للاستهلاك بشرط الغرم ؛ لأن