الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص324
صاحبه ، وعلى هذا شواهد الأصول كلها ألا ترى لو أن رجلا جرح رجلاً ثم جرح المجروح نفسه ومات كان نصف ديته هدراً ، لأنها في مقابلة جراحته لنفسه ونصفها على جارحه ؛ لأن التلف كان يجرح اشتراكاً فيه ، وهكذا لو جذبا حجر منجنيق فعاد الحجر عليهما فقتلهما كان على عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه ونصفها الباقي هدراً لاشتراكهما في الفعل الذي كان به تلفهما ، وهكذا لو اصطدم رجلان معهما إناءان فانكسر الإناءان بصدمتهما ضمن كل واحد منهما نصف قمة إناء صاحبه ، وكان نصفه الباقي هدراً وإذا كانت الأصول تشهد بصحة ما ذكرناه دل على صحته ، وبطلان ما عداه .
فأما استدلالهم بالسائر إذا عثر بالجالس فماتا فإنما ضمن كل واحد منهما جميع دية صاحبه ، لأنهما لم يشتركا في فعل التلف ، لأن السائر تلف بعثرته بالجالس فضمن الجالس جميع ديته ، والجالس تلف بوقوع السائر عليه ، فضمن السائر جميع ديته وليس كذلك اصطدام الفارسين ، لاشتراكهما في فعل التلف .
وأما استدلالهم بالوقوع في البئر فالجواب عنه أن الحافر لها ملجئ للوقوع فيها مسقط اعتبار فعل الملجأ وصار الجميع مضافاً إلى فعل الملجيء ، ففارق من هذا الوجه ما ذكرنا ، كشاهدي الزور بالقتل يؤخذان به دون الحاكم لإلجائهما له إلى القتل .
وقال المزني : إن كانا مستلقيين أو مكبوبين فهما سواء ، وإن كان أحدهما مستلقيا على ظهره والآخر مكبوباً على وجهه فدية المستلقي كلها على المكبوب ، ودية المكبوب هدر ، لأن المكبوب دافع والمستلقي مدفوع ، وهذا اعتبار فاسد ، لأن الاستلقاء قد يحتمل أن يكون لتقدم الوقوع والانكباب لتأخر الوقوع ، ويحتمل أن يكون الاستلقاء في الوقوع لشدة صدمته كما يرفع الحجر من الحائط لشدة رميته فلم يسلم ما اعتل به .