الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص318
ويستوى في ذلك الصبي والمجنون ، وسواء كان الصبي مميزاً أو غير مميز .
قال الماوردي : وهو كما قال ، إذا وقف إنسان على شفير بئر أو حافة نهر أو قلة جبل فصاح به صائح فخر ساقطاً ووقع ميتاً لم يخل حال الواقع من أحد أمرين ) .
أحدهما : أن يكون رجلاً ، قوي النفس ، ثابت الجأش ، ثابت الجنان ، فلا شيء على الصائح ، لأن صيحته لا تسقط مثل هذا الواقع ، فدل ذلك على وقوعه من غير صيحته .
والضرب الثاني : أن يكون صبياً أو مجنوناً أو مريضاً أو مضعوفاً لا يثبت لمثل هذه الصيحة فالصائح ضامن لديته ، لأن صيحته تسقط مثله من المضعوفين ، ولا قود عليه لعدم المباشرة ، لكنه إن عمد الصيحة كانت الدية مغلظة ، وإن لم يعمد كانت مخففة .
وقال أبو حنيفة : لا يضمن بها الصغير كما لا يضمن بها الكبير القوي ، وهذا جمع فاسد ، لأن الصيحة تؤثر في الصغير المضعوف ، ولا تؤثر في الكبير القوي فافترقا في الضمان ؛ لأن الجنايات تختلف باختلاف المجني عليه ، ألا ترى أن رجلاً لو لطم صبياً فمات ضمنه ، ولو لطم رجلاً فمات لم يضمنه ، لأن الصبي يموت باللطمة والرجل لا يموت بها ، فلو اغتفل إنساناً وزجره بصيحة هائلة فزال عقله فقد اختلف أصحابنا فيه فحمله أكثرهم على ما قدمناه من التفسير أنه يضمن بها عقل الصبي والمجنون ، ولا يضمن بها عقل الرجل الثابت .
وقال ابن أبي هريرة : يضمن بها عقل الفريقين معاً بخلاف الوقوع ، لأن في الوقوع فعلاً للواقع فجاز أن ينسب الوقوع إليه وليس في زوال العقل فعل من الزائل العقل فلم ينسب زواله إلا إلى الصائح المذعر ، ولو قذف رجل امرأة بالزنا فماتت لم يضمنها ، ولو ألقت جنيناً ميتاً ضمنه ، لأن الجنين يلقي من ذعر القذف والمرأة لا تموت منه ، قد أرسل عمر إلى امرأة قذفت عنده رسولا فأرهبها فأجهضت ما في ذات بطنها فحمل عمر عاقلة نفسه دية جنينها .