الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص297
قال الماوردي : أما العين القائمة فهي التي قد ذهب بصرها وهي صورة الصحيحة فذهب نفعها وبقي جمالها ، ففيها إذا قلعت حكومة لأجل الألم وما أذهب من جمالها .
وحكي عن أبي بكر الصديق رضوان الله عليه أنه أوجب فيها ثلث الدية وحكي عن زيد بن ثابت أنه أوجب فيهما مائة دينار ، وهذا فيها على وجه الحكومة إن تقدرت باجتهاد أبي بكر ثلث الدية ، وباجتهاد زيد مائة دينار ، وقد يجوز أن تتقدر باجتهاد من بعدهما من الحكام بهذا المقدار وبأقل منه وبأكثر ، بحسب اختلافه في الشين والقبح والألم ، لأن الاجتهاد في الحكومات لا يجعلها محدودة في جميع الجنايات ، وكذلك اليد الشلاء التي لا تألم ، والرجل الشلاء إذا قطعها لا دية فيها ، لذهاب منفعتها ، لأن منفعة اليد البطش ، ومنفعة الرجل المشي ، وقد ذهب بطش اليد ومشي الرجل بشللهما وبقي الجمال فيهما ، فسقطت الدية لذهاب المنفعة ، ووجبت الحكومة لأجل الجمال .
قال الماوردي : يعني أن فيه حكومة إذا قطع ؛ لأن ذهاب الكلام قد سلبه المنفعة فصار كالعين القائمة فاقتضى لهذا التعليل أن تجب في قطعه حكومة كما يجب في العين القائمة ، وهذا القول على الإطلاق ليس بصحيح عندي ، لأن مقصود اللسان أفعال :
أحدها : الكلام ، والثاني : الذوق ، ويقترن بهما ثالث يكون اللسان عوناً فيه وهو إدارة الطعام به في الفم [ للمضغ ، فإن كان ذوق الأخرس بعد قطع لسانه باقياً ففيه حكومة كما أطلقه الشافعي ، ولأنه ما سلبه القطع أحد النفعين المقصودين ، وإنما سلبه أقل منافعه وهو إدارة الطعام به في فمه ] وإن ذهب ذوق الأخرس بقطع لسانه ففيه الدية كاملة ، لما قدمناه من وجوب الدية في ذهاب الذوق ، ولأنه أحد الحواس كالشم بل هو أنفع فيكون الإطلاق محمولاً على هذا التفصيل والله أعلم .