الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص294
وقال أبو حنيفة : إن استرسل البول بالإفضاء ففيه الدية التامة وحدها من غير حكومة ، وإن استمسك البول ففي الإفضاء ثلث الدية ، واستدل على أنه لا حكومة عليه مع استرسال البول بأن ما ضمن إتلافه بالدية دخل غرم منافعه في ديته ، كما لو قطع لسانه فأذهب كلامه ، أو فقأ عينه فأذهب بصره ، واستدل على أن فيه مع استمساك البول ثلث الدية بأنه ليس هتك هذا الحاجز بأعظم من حاجز الجائفة ، فلما وجبت في الجائفة ثلث الدية كان أولى أن لا يجب في الإفضاء أكثر من ثلث الدية ، وتقدر بثلث الدية ، لأنهما معاً هتك حاجز في جوف .
والدليل على أن في استرسال البول حكومة زائدة على دية الإفضاء أنه لما جاز أن يستمسك البول مع وجود الإفضاء وجاز أن يسترسل علم أنه في غير محل الإفضاء فصار من منافع غيره ، فوجب أن يكون أرشه زائدا على أرش الإفضاء ، كما لو قطع أذنه فأذهب سمعه أو جدع أنفه فأذهب شمه لزمه غرمها ، وخالف ذهاب الكلام بقطع اللسان وذهاب البصر بفقء العين لاختصاصهما بمحل الجناية إذ ليس يصح أن يتكلم مع قطع لسانه ولا يبصر مع فقء عينه ، فلذلك لم يضمنها بزيادة على أرش الجناية .
والدليل على أن في الإفضاء دية كاملة أن الأعضاء الباطنة في الجسد أخوف على النفس من الأعضاء الظاهرة فكانت بكمال الدية أحق ، وهذا الحاجز من تمام الخلقة ومخصوص بمنفعة لا توجد في غيره ، لامتياز الحيض ومخرج الولد عن مخرج البول ، لأن الحيض والولد يخرجان من مدخل الذكر ، فإذا انخرق الحاجز بالإفضاء زال بالجناية عليه ما لا يقوم غيره مقامه فأشبه الأعضاء المفردة من اللسان والأنف ، ولأن الإفضاء يقطع التناسل ، لأن النطفة لا تستقر في محل العلوق لامتزاجها بالبول فجرى مجرى قطع الذكر والأنثيين وفي ذلك كمال الدية ، فكذلك الإفضاء .
فأما الاستشهاد بالجائفة فغير صحيح ، لأن دية الجائفة الثلث لاندمالها ، ولو لم تندمل لأفضت إلى النفس فكمل فيها الدية ، والإفضاء غير مندمل فكملت فيه الدية ولو اندمل لما كملت فيه الدية ولوجب فيه حكومة فافترقا .