الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص288
قال الماوردي : وهذا صحيح ، لأنه قد أذهب جماله بكسر صلبه وأبطل تصرفه بذهاب مشيه فكملت فيه الدية ، فإن كسر صلبه ولم يذهب مشيه وصار يمشي كالراكع وجب فيه حكومة ، لذهاب الجمال مع بقاء المنفعة ، ولو صار بعد كسر صلبه منتصب الظهر لكن ذهب مشيه فعليه الدية تامة ، لذهاب المنفعتين مع بقاء الجمال ، كما لو ضرب يده فشلت ، فلو صار ضعيف المشي لا يقدر على السعي ولا على السرعة ففيه حكومة ، لأنه قد أذهب من مشيه مالا ينحصر ، ولو انحصر لوجب فيه من الدية بقسطها ، ولو صار لا يقدر على المشي إلا معتمداً على عصا كانت عليه حكومة هي أكثر من حكومته لو مشى بغير عصا ، وكلما أوجبناه في ذلك من الدية أو الحكومة فإنما نوجبه بعد استقرار الجناية بالتوقف عن الحكم بها حتى ينظر ما ينتهي إليه أمرها ، فلو حكم له بالدية لذهاب مشيه ثم صار يمشي من بعد استرجع منه ما أخذه من الدية إلا قدر حكومة الألم والشين ، فإن اقترن بكسر الصلب وذهاب المشي شلل القدمين لزمته ديتان ، إحداهما في ذهاب المشي ، والأخرى في شلل الرجلين .
فإن قيل : فهلا وجبت دية الرجلين بذهاب المشي وإن لم يصر فيهما شلل ، لأنه قد أبطل نفعهما .
قيل : لأن منفعة الرجلين باقية في انقباضهما وبسطهما لا تذهب إلا بالشلل ، وإنما ذهب المشي لنقص في غيرهما ، فلذلك لم تجب ديتها إلا بشللهما .
أحدهما : أن يكون عجزه عنه لضعف حركته مع بقاء منيه وانتشار ذكره ففيه حكومة ، لأنه قد يقدر على الإنزال باستدخال ذكره .
والضرب الثاني : أن يكون عجزه عن الجماع لذهاب منيه وعدم انتشار ذكره ففيه الدية كاملة ، لأنه قد أذهب منفعة الصلب بذهاب المني ، فإن أنكر الجاني ما ادعاه نظر فإن اقترنت بدعواه علامة تدل عليه جعل القول قوله مع يمينه في ذهابه ؛ لأنه لا يعلم إلا من جهته ، وإن لم يقترن به علامة سئل عنه أهل العلم به ، فإن قالوا : لا يذهب منه الجماع حلف الجاني ولم يلزم الدية ، وإن قالوا : يجوز أن يذهب منه الجماع حلف المجني عليه واستحق الدية ، ولو كسر صلبه فأذهب مشيه وجماعه معاً ففيه وجهان :
أحدهما : لا يلزمه إلا دية واحدة ، لأنهما منفعة عضو واحد ، حكاه أبو حامد الإسفراييني .