الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص287
أحدهما : دفع هذه الدعوى ، لأن الأعور لا يرى البعيد كرؤية ذي العينين وقد يكون بينهما ضعف المسافة فلم يسلم ما ادعوه .
والثاني : أنه لو أوجب هذا كمال الدية في العين الباقية لوجب مثله فيمن بقي سمعه من إحدى أذنيه أن يلزم في ذهابه من الأذن الأخرى كمال الدية كما قاله يزيد بن أبي زياد ، لأنه يسمع بهما ما كان يسمع بهما ، ولم يقل بذلك في سمع الأذنين ، فكذلك في ضوء العينين .
وأما قولهم : إن ضوء العين ينتقل من الذاهبة إلى الباقية ففاسد ، لأنه لو كان كذلك لكان من قلع واحدة من عينين أن لا يلزمه ديتها ، لأن ضوءها قد انتقل إلى الأخرى فصار كالجاني على عين لا ضوء لها ، فلم يلزمه أكثر من حكومتها ، وهذا مدفوع بالإجماع فدل على أن الضوء غير منتقل ، وإنما يغمض الرامي إحدى عينيه ، وكذلك الناظر في ثقب حتى لا ينتشر ضوء العينين ويقتصر على إحداهما ليستقيم تراجع السهم والثقب ولا يختلف السمت باختلاف النظرين .
وأما فرقهم بين العوراء والقطعاء لفرق ما بينهما في الكفارة فقد كان الأوزاعي يسوي بينهما في كمال الدية ويقول : إن من قطعت يده في الجهاد كان في الباقية إذا قطعت جميع الدية ونحن نسوي بينهما في أن كل واحدة منهما نصف الدية وأنت تخالف بينهما لافتراقهما في الكفارة ، وليس ذلك بصحيح ، لأن من قطعت خنصر أصابعه يجزئ في الكفارة ، ولا يدل على أن من قطع الكف بعد ذهاب خنصرها يلزمه جميع ديتها لإجزائها في الكفارة ، كذلك عين الأعور .
وقال مالك : له أن يقتص من الأعور ، فإن عفا عنه وجب له على الأعور بعينه الواحدة جميع الدية ، لأنه قد عفا له عن جميع بصره ، وهذا خطأ ، لأن العفو عن القصاص يوجب دية العضو المجني عليه ، لا دية المقتص منه ، ألا ترى أن رجلا لو قطع يد امرأة كان لها عليه أن تقتص من يده ، فإن عفت عن القصاص كان لها دية يدها لا دية يد الرجل ، كذلك وجوب القصاص على الأعور ، وهكذا لو قطع عبد يد حر فعفا الحر عن القصاص كان له دية يد الحر لا دية يد العبد ، لأن في العينين دية واحدة ، وما قاله مالك يفضي إلى إيجاب ديتين ، لأنه إذا قلع إحدى عينيه أعور أوجب عليه دية ثم يصير بعد قلعها أعور ، فيوجب فيها إذا قلعت دية ثانية ، وما أفضى إلى هذا كان مطرحاً والله أعلم .