الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص278
والقول الثاني : فيها الدية تامة ، لذهاب جمالها بالسواد ، وذهب جمهور أصحابنا ومتأخروهم إلى أن ذلك على اختلاف حالين وليس على اختلاف قولين ، والمواضع الذي أوجب فيها حكومة إذا كانت باقية المنافع والمواضع الذي أوجب فيها الدية إذا ذهبت منافعها ، وهذا أشبه ، لأنه قد بقي بعد اسودادها أكثر جمالها وهو سر موضعها فلم يجز أن يجب فيها مع بقاء أكثر جمالها وجميع منافعها دية .
فلو قلع سنا سوداء سئل عنها أهل العلم بها فإن قالوا : اسودادها من غذاء أو طول مكث كملت فيها الدية .
وإن قالوا : من مرض كان في كمال ديتها قولان على اختلافهما في السن إذا ذهب بعض منافعها والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، وهو نص السنة ، وروى معاذ بن جبل أن النبي ( ص ) قال : ‘ وفي اليدين الدية ‘ ولأنهما من أعظم الأعضاء نفعاً في البطش والعمل ، وفي إحدى اليدين نصف الدية لرواية عمرو بن حزم أن النبي ( ص ) قال في كتابه إلى اليمن ‘ وفي اليد خمسون من الإبل ‘ وإذا كان كذلك فاليد التي تكمل فيها الدية أن تقطع من مفصل الكف ، فإن قطعها من الذراع أو العضد وجب في الكف دية وفيما زاد من الذراع حكومة ، فإن زاد إلى العضد كانت الحكومة فيه أكثر ، وقال سفيان الثوري : إن قطعها من المرفق فليس عليه إلا دية ، وإن زاد على المرفق ففي الزيادة حكومة ، لأن حكم اليد يستوعبها إلى الذراع ويفارقها بعده كالوضوء .
وقال أبو عبيد بن حربويه من أصحابنا : الاسم يتناولها إلى المنكب ، وليس عليه إذا استوعب قطعها إلى المنكب إلا الدية دون الحكومة ، لأن عمار بن ياسر تيمم حين أطلق ذكر اليد في التيمم إلى المناكب تعويلاً على مطلق الاسم حتى قال له النبي ( ص ) ‘ إنما يكفيك ضربة لوجهك وضربة لذراعك ‘ وكلا المذهبين خطأ لقول الله تعالى ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) [ المائدة : 6 ] فلو اقتضى إطلاق اليد إلى المرفق لاقتصر على الإطلاق ولما قيدها بالمرافق ، فبطل قول سفيان ، ولما جعل المرفق غاية دل على أن حد اليد ما دون الغاية فبطل به قول أبي عبيد ، ولأن الله تعالى قال : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] وقطع رسول الله ( ص ) يده من مفصل الكف دل على أنها هي اليد لغة وشرعاً ، ولأن الدية تكمل في الرجل إذا قطعت من مفصل القدم ؛ لأنها تقطع منه في السرقة ، كذلك اليد لما قطعت في السرقة من الكف وجب أن يختص بكمال الدية .