الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص261
الروائح دون الضعيف فجنى عليه فأذهب شمه صار لا يشم قوياً ولا ضعيفاً من قريب ولا بعيد ففيه وجهان محتملان :
أحدهما : فيه الدية كاملة ، لأن الحواس تختلف بالقوة والضعف كالأعضاء التي لا تختلف الدية باختلاف قوتها وضعفها .
والوجه الثاني : أن الموجود كان فيه بعض الشم فلم يلزم في إذهابه إلا بعض الدية ، بخلاف ضعف الأعضاء الذي يوجد جنس المنافع فيها .
فعلى هذا إن علم قدر ما كان ذاهباً من شمه ففيه من الدية بقسطه ، وإن لم يعلم ففيه حكومة يجتهد الحاكم فيها رأيه .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، لرواية عمرو بن حزم أن رسول الله ( ص ) قال في كتابه إلى اليمن ‘ وفي الشفتين الدية ‘ وهو قول أبي بكر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ولأنهما عضوان من أصل الخلقة فيهما منفعة وجمال ، يألم بقطعهما ويخاف من سرايتهما فأشبها اليدين والرجلين ، وسواء في ذلك الغليظتان والدقيقتان ، والطويلتان والقصيرتان ، من ناطق أو أخرس ، ذي أسنان وغير أسنان ، وفي إحدى الشفتين نصف الدية ، ولا فضل للعليا على السفلى ، وحكى عن زيد بن ثابت أن في السفلى ثلثي الدية ، وفي العليا ثلثها ، لأن السفلى أنفع من العليا ، لحركتها ودورانها ، وحفظ الطعام والشراب بها ، وما فيها من حروف الكلام الشفوية ، وهذا يفسد من وجهين :
أحدهما : أن لكل واحدة منهما منفعة ليست للأخرى فصارتا متساويتين .
والثاني : لأن تفاضل المنافع في الأعضاء المتجانسة لا يوجب تفاضلها في الديات كالأصابع والأسنان ، فإن قطع النصف من إحدى الشفتين كان عليه ربع الدية ، وإن قطع أكثر أو أقل كان عليه من الدية بحسب ما قطع .