الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص256
أحدهما : أن القول قول الجاني مع يمينه ، لأن الأصل عدم القود وبراءة الذمة .
والثاني : أن القول قول الأولياء مع أيمانهم ، لأن الأصل بقاء الحياة .
قال الماوردي : وأصل الشهادة أنها لا تصح إلا بأقصى جهات العلم بها ، فإذا شهدوا بسلامة البصر وإن كان مما لا يشاهد فقد يقترن بالشهادة من أمارات العلم به ما لا يعترضه شك ، وهو أن يراه يتبع الشخص ويسلك المعاطف ويتوقى الآبار ، ويقرأ الكتب ، ويتطرف عينه عن الأذى ، فيعلم بهذه الأمارات والدلائل علما لا يدخله شك انه يبصر ، فجاز أن يشهد له بسلامة بصره ، وهكذا في سلامة اليدين والرجلين إذا رآه يمشي على قدميه ، ويقبض أصابع رجليه ، ويعمل بيديه قبضاً وبسطاً ، ورفعاً ووضعاً ، علم بذلك سلامتها من شلل ، فجاز أن يشهد له بالصحة ، وهكذا الذكر وهو من الأعضاء يجوز إذا رآه ينقبض وينبسط أن يشهد له بالسلامة من الشلل ، وذلك بأن يشاهده في إحدى ثلاثة أحوال :
إما حال الصغر قبل تغليظ عورته .
أو يشاهده في الكبر بالاتفاق من غير تعمد لمشاهدته .
أو يكون طبيباً قد دعته الضرورة إلى مشاهدته ، فأما إن تعمد في الكبر للنظر بغير ضرورة فقد فسق ، ولا يقبل للفاسق شهادة ، وكذلك الشهادة للصبي والمعتوه بسلامة أعضائه ، لأنه يستبدل عليها بحركات طبعه .
قال الشافعي : ‘ ومتى علم أنه صحيح فهو على الصحة ‘ وشهد له شاهدان بها نظرت شهادتهما ، فإن شهدا له بالصحة عند الجناية حكم بها ، ولم يستحلف المجني عليه معها ، لأن البينة تغني عن اليمين فيما تضمنته ، وإن شهدا بالسلامة قبل الجناية ففي سماعها والحكم بها قولان من اختلاف قوليه فيمن علم بتقدم سلامتها هل يحكم فيها عند الجناية بقوله أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : لا يحكم بقوله ، فعلى هذا لا تسمع الشهادة له بتقدم سلامته .
والقول الثاني : يحكم له بقوله ، فعلى هذا تسمع الشهادة له بتقدم سلامته ، ثم يستحلف معها على أنه لم يزل على السلامة إلى حين جنايته .