الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص251
يخل حال تجويزهم لذهابه من أن يقدروه بمدة أو لا يقدروه فإن قدروه بمدة فقالوا : يجوز أن يذهب سنة ولا يجوز أن يذهب بعدها ، فإن ذهب فيها وإلا فقد سلم منها عمل على شهادتهم ، ووقف المجني عليه سنة فإن ذهب بصره فيها كان الجاني مأخوذا بالقود في العمد والدية في الخطأ ، وإن ذهب بصره بعدها فلا شيء على الجاني ، ويؤخذ بالحكومة إذا كان لجنايته أثر ، ولا يعزر ولا حكومة إن لم يكن لها أثر ويعزر ، فعلى هذا لو جنى على عينه آخر ففقأها قبل ذهاب بصره كان الثاني هو المأخوذ فيها بالقود والدية دون الأول ، سواء فقأها قبل السنة أو بعدها ، لأنه جنى والبصر باق .
وأما القسم الثالث : إذا شهدوا بذهاب بصره في الحال وما بعدها فيحكم له بالقود في العبد إذا شهد من عدولهم رجلان ، وبالدية في الخطأ إذا شهد منهم رجل وامرأتان ، فلو عاد بصر المجني عليه بعد أن قضى له بالدية أو القود فالمذهب أن لا درك عليه بعودها فيما قضى له من قودها أو ديتها ، لأن عودها بها من عطايا الله تعالى وهباته ، وللشافعي في سن المثغور إذا قلعت واقتص منها أو أخذ ديتها ثم عادت فيثبت قولان :
أحدهما : يلزمه رد ديتها ، فعلى هذا اختلف أصحابنا في تخريجه في العين إذا عاد بصرها هل يلزمه رد ديتها أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما يلزمه ردها إذا عاد بصرها كما يلزمه ردها في السن .
والوجه الثاني : لا يلزمه رد الدية بعود البصر ، ويلزمه ردها بعود السن .
والفرق بينهما أن عود السن معهود في جنسه وعود البصر غير معهود في جنسه فاختلفا في الرد لاختلافهما في معهود العود ، وعلى هذا لو اقتص من بصر الجاني فعاد بصره بعد القصاص لم يؤخذ بذهابه ثانية على الصحيح من المذهب ، وهل يؤخذ به على القول المخرج في السن أم لا ؟ على الوجهين المذكورين لا يؤخذ به في أحدهما ويؤخذ به في الوجه الآخر ويقتص منه ثانية ، فإن عاد بعدها اقتص منه أبداً حتى يذهب فلا يعود .
والقسم الرابع : إذا شهدوا بذهاب بصره في الحال وجواز عوده في ثاني حال فلا يخلو حالهم فيه من أن يقدروا زمان عوده أو لا يقدروا ، فإن لم يقدروا وقالوا : يجوز أن يعود على الأبد إلى وقت الموت من غير تحديد ولا إياس لم توجب هذه الشهادة توقفا عن القصاص أو الدية ، وأخذ الجاني بهما في الحال ، لأن استحقاقه مانع من تعليقه بشرط يفضي ثبوته إلى سقوطه .
وإن قدروا المدة وقالوا : يجوز أن يعود إلى سنة [ إن كان من ظلمة غطت الباطن ولا يجوز أن يعود بعدها ، لأنه من ذهاب الباطن حبس الجاني ، ووقف البصر إلى