الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص248
فأما ما كان عن مباشرة فكضربة سيف أو رمية بحجر أو قرعة بعصى ، إما على رأسه أو ما قرب من قلبه ، فإذا ذهب بها العقل كان عن جنايته ، سواء أثر ذلك في جسده أو لم يؤثر ، وكذلك لو لطمه بيده ، أو ركله برجله حتى أزعجه بركلته أو لطمته التي يقول علماء الطب : إن مثلها يذهب العقل كان ذاهباً عن جنايته ومأخوذا بديته ، وأما ما كان عن غير مباشرة فكالإشارة إليه بسيف أو تقريب سبع أو إدناء أفعى فيذعر منه فيزول عقله به فيعتبر حاله فإن كان طفلاً أو مضعوفاً مذعوراً فذلك مزيل لعقل مثله فيؤخذ بديته [ وإن كان قوى النفس ثابت الجأش فعقل مثله لا يزول بهذا التفزيع فلا دية فيه ، وهكذا إن زعق عليه بصوت مهول فزال عقله كان معتبراً بحاله في قوة جأشه أو ذعره ، فلا تلزمه الدية في ذي الجأش وتلزمه في المذعور ، فأما إن أخبره مصيبة حزن لها فزال عقله أو أخبره بمسرة فرح بها فزال عقله لحدوث زواله عن فرح وحزن أحدثه الله تعالى فيه .
أحدهما : لا يعزر لإيجابه دية العقل ، وغرمها أغلظ من التعزير .
والوجه الثاني : يعزر ، لأن غرم الدية في غير محل الألم ، فوجب أن لا يخلو من تعزير إذا خلا من غرم .
وإن أوجبت الجناية غرماً سوى دية العقل من مقدر أو غير مقدر ففيه قولان :
أحدهما : وبه قال في القديم وهو مذهب أبي حنيفة : أنه إن كان ما وجب بالجناية أقل من دية العقل كالموضحة والمأمومة ، أو قطع إحدى الأذنين دخل ذلك في دية العقل ولم يجب عليه أكثر منها ، وإن كان موجباً من الدية ، لقطع الأذنين وجذع الأنف ، دخلت فيه دية العقل وأخذ بدية الأذنين والأنف ليكون الأقل داخلاً في الأكثر ، استدلالا بأن زوال العقل مسقط للتكليف فأشبه الموت .
والقول الثاني : قاله في الجديد وهو الأصح : أن دية العقل لا تسقط بما عداها ، ولا يسقط بها ما عداها ، سواء كان ما وجب بالجناية أقل من دية العقل كالمأمومة ، فيجب عليه ثلث الدية في المأمومة وجميع الدية في العقل ، أو كان ما وجب بالجناية أكثر من دية العقل كالأذنين والأنف ، فيجب عليه ثلاث ديات واحدة في العقل ، وثانية في الأذنين ، وثالثة في الأنف ، لرواية أبي المهلب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه