الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص219
أما الحرم فلقول الله تعالى : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ) [ البقرة : 191 ]
ولرواية أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله ( ص ) حرم مكة ، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسفك فيها دماً ، ولا يعضدن فيها شجراً ، فإن رخص مترخص فقال إنها أحلت لرسول الله فإن الله أحلها لي ساعة ، ثم هي حرام إلى أن تقوم الساعة ولأنه لما تغلظ بالحرم حرمة الصيد كان أولى أن تغلظ به نفوس الآدميين .
وأما الأشهر الحرم فلقول الله تعالى ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) [ التوبة : 36 ] .
وقال تعالى : ( يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) [ البقرة : 217 ] . وقد قال القتال فيها محرما في صدر الإسلام لعظم حرمتها ، وأما ذو الرحم فلقول الله تعالى : ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) [ الرعد : 21 ] فقيل هي الرحم أمر الله بوصلها ويخشون ربهم في قطعها ، ويخافون سوء الحساب في المعاقبة عليها ، ولأن رسول الله ( ص ) منع أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة من قتل أبيه يوم بدر ، وقال : ‘ دعه يلي قتله غيرك ‘ حتى قتله حمزة بن عبد المطلب ، ومنع أبا بكر من قتل ابنه عبد الرحمن يوم أحد ، وإذا كانت هذه الثلاثة مخصوصة بزيادة الحرمة وعظم المأثم في القتل جاز أن يختص بتغليظ الدية كالعمد وعمد الخطأ .
ويدل عليه من طريق القياس : أنه قتل في الحرم فكان العمد والخطأ في قدر غرمه سواء كقتل الصيد .
وأما الجواب عن عموم جواب ابن مسعود فتخصيصه بدليلنا .
وأما قياسهم على الكفارة ، فالجواب عنه أنها لما لم تتغلظ بالعمد لم تتغلظ بهذه الأٍسباب ، والدية لما تغلظت بالعمد تغلظت بهذه الأسباب .
وأما قياسهم على العمد فالمعنى فيه انه قد استوفى غاية التغليظ فلم يبق للتغليظ تأثير والخطأ بخلافه .
وأما اعتبارهم حرم مكة بحرم المدينة فقد اختلف أصحابنا فيه فمنهم من غلظ الدية فيها كتغليظها بمكة من قوله في القديم ‘ إن صيدها مضمون ‘ فعلى هذا يسقط الاستدلال .