الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص217
قال الماوردي : أعلم أن الدية على ثلاثة أقسام :
أحدها : دية العمد المحض ، وهي مغلظة تجب على الجاني حالة .
والثاني : دية العمد الخطإ وهي مغلظة تجب مؤجلة على العاقلة ، فتساوي الديتان في التغليظ ، ويختلفان في التأجيل والتحمل ، فتكون في العمد المحض حالة في مال الجاني ، وفي عمد الخطإ مؤجلة على عاقلته ، لأنه لما كان عمد الخطإ أخف من العمد المحض وقد ساواه في تغليظ الدية لعمده في الفعل خالفه في التأجيل والمحل لخطئه في القصد .
والقسم الثالث : دية الخطأ المحض فهي مخففة على ما سنذكره من صفة التخفيف تتحملها العاقلة مؤجلة في ثلاثة سنين ولا تتغلظ إلا في ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكون قتل الخطإ في الحرم .
والثاني : أن يكون في الأشهر الحرم .
والثالث : أن يكون على ذي الرحم المحرم فتكون مغلظة في الخطإ المحض كما تتغلظ دية العمد المحض ودية العمد الخطإ ، فيصير تغليظ الدية في خمسة أحوال : في العمد المحض ، وفي العمد الخطإ ، وفي الخطإ المحض ، وفي الحرم ، وفي الأشهر الحرم ، وعلى ذي الرحم المحرم .
وقال أبو حنيفة : لا تتغلظ دية الخطإ المحض بالحرم ولا بالأشهر الحرم ولا على ذي الرحم .
وبه قال مالك والنخعي ، والشعبي ، استدلالا برواية ابن مسعود عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ دية الخطإ أخماس ‘ ولم يفرق ، ولأن ما وجب بقتل الخطإ لم يتغلظ بالزمان والمكان كالكفارة ، ولأن قتل الخطإ أخف من قتل العمد ، فلما لم يكن للحرم والرحم والأشهر الحرم زيادة تأثير في قتل العمد فأولى أن لا يكون لها زيادة تأثير في قتل الخطأ ، ولان لحرم المدينة حرمة كما لحرم مكة حرمة ، ولشهر رمضان حرمة كما للأشهر الحرم حرمة ، ولشرف النسب حرمة كما للرحم حرمة ، ثم لم يتغلظ الدية بحرمة المدينة وحرمة شهر رمضان وحرمة شرف النسب كذلك لا تتغلظ بحرمة الحرم ، وحرمة الأشهر الحرم ، وحرمة الرحم ، لأن القتل كالزنا لوجوب القتل به تارة وما دونه أخرى ، فلما لم يتغلظ حكم الزنا بالمكان والزمان والرحم لم يتغلظ حكم القتل ، ولأنه لو تغلظ حكم القتل بكل واحد من هذه الثلاثة لوجب إذا جمعها أن يضاعف التغليظ