الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص197
الزمان وضيقه فقال الولي : اتسع الزمان للاندمال فالقول قولي في استحقاق الديتين ، وقال الجاني ضاق الزمان عن الاندمال فالقول قولي في أن لا تلزمني إلا دية واحدة ، فالقول قول الجاني مع يمينه دون الولي ، ولا يلزمه إلا دية واحدة لأمرين :
أحدهما : أن الأصل قرب الزمان حتى يعلم بعده .
والثاني : أن الأصل بقاء الجناية حتى يعلم اندمالها .
والحال الخامسة : أن يختلفا فيدعى الولي أنه مات من الجناية فاستحق القصاص في النفس ، ويدعى الجاني أنه مات من غير الجناية فلا قود عليه في النفس ، فإن ضاق الزمان عن الاندمال فالقول قول الولي مع يمينه ، لأن الظاهر معه ، فإن اتسع الزمان للاندمال فالقول قول الجاني مع يمينه ، لأن الأصل أن لا قصاص عليه في النفس .
قال الماوردي : وإنما اختار الشافعي أن يحضر القصاص عدلين شاهدين ليشهدا باستيفائه إن استوفى ، وبالتعدي فيه إن تعدى ، فإن قيل : فما معنى قول الشافعي : ‘ عدلين عاقلين ‘ ، والعدل لا يكون إلا عاقلا فمنه ثلاثة أجوبة :
أحدهما : أنه قاله على طريق التأكيد ، كما قال الله عز وجل ( فخر عليهم السقف من فوقهم ) [ النحل : 26 ] و ( يقولون بأفواههم ) [ آل عمران : 167 ] .
والثاني : أنه أراد بالعقل ثبات النفس وسكون الجأش عند مشاهدة القصاص ، وليس كل عدل يمكن جأشه عند مشاهدة القتل والقطع قاله أبو القاسم الصيمري .
والثالث : أنه أراد بالعقل الفطنة والتيقظ ليفطن بما يجري من استيفائه من حق أو تعد ، إذ ليس كل عدل يفطن لذلك قاله أبو حامد الإسفراييني ، فإن غاب الشاهدان عن استيفاء القصاص لم يؤثر فيه وكان المسيء هو الحاكم بالقصاص دون المستوفي له ،