الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص193
قال الماوردي : وصورتها في رجل وجب القصاص عليه في يمناه فأخرج يسراه فقطعها المقتص ، فلا يجوز أن تكون اليسرى قصاصا باليمنى لاستحقاق المماثلة فيه ، كما لا تكون اليد قصاصا بالرجل وإن وقع به التراضي ، وإذا كان كذلك بدئ بسؤال فخرج يده قبل سؤال المقتص القاطع هل أخرج يده باذلاً لقطعها أو غير باذل ؟ فإن قال : أخرجتها غير باذل لقطعها وإنما أردت بإخراجها التصرف بها سئل حينئذ المقتص القاطع هل علم أنها اليسرى أو لم يعلم ؟ فإن قال : لم أعلم أنها اليسرى وظننتها اليمنى فقطعتها قصاصاً فلا قصاص على هذا المقتص في اليسرى وإن لم يكن قصاصا في اليمنى ، لأنها شبهة تدرأ بها الحدود ، وعليه ديتها ، لأنه قطعها خطأ بغير حق ، وهل يسقط بذلك حقه من قطع اليمنى أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : قد سقط حقه من الاقتصاص منها لاعتقاده استيفاء قصاصه ، فعلى هذا يرجع المقتص على مخرج يده اليمنى حاله في ماله ، لأنها دية عمد ، ويرجع مخرج يده اليسرى على عاقلة المقتص ، لأنها دية خطأ ، ولا يكونا قصاصاً لاختلاف محلهما .
والوجه الثاني : أن حقه في الاقتصاص من اليمنى باق لبقائها ، وأن الخطأ بغيرها لا يزيل الحق منها ، فعلى هذا يكون للمقتص أن يقطع يمين الجاني المخرج ليسراه إذا اندملت اليسرى ، لأن لا يوالي عليه بين قطعين فيسري قطعهما إلى تلفه ، وهذا بخلاف ما لو استحق عليه قطع يديه فإنه يجوز أن يوالي عليه في الاقتصاص منهما بين قطعهما ولا ينتظر اندمال أولاهما ، لأن قطعهما مستحق فلم ينتظر به الاندمال وفي مسألتنا الأولى غير مستحق فانتظر اندماله لاستيفاء المستحق بعده ، فإذا اقتص من اليمنى كان على عاقلته دية يسرى الجاني .
وإن قال المقتص القاطع لليسرى علمت حين قطعتها أنها اليسرى .